يا جارتي – إيليا أبو ماضي

قالت لجارتها يوما تسائلها … عنّي ، و في طرفها الوسنان أشجان

ما بال الفتى في الدّار معتزلا … كما توحّد نسّاك و رهبان

يأتي المساء عليه و هو مكتئب … و يرجع اللّيل عنه و هو حيران

يمرّ بالقرب منّا لا يكلّمنا … و للحديث مجال ، و هو ملسان

و إن نكلّمه لا يفقه مقالتنا … إلاّ كما يفقه التّسبيح سكران

إذا تبسّم ، لا تبدو نواجده … و إن بكى ، فله نزع و إرنان

فلا ابتسام ذوات الغنج يطربه … و لا ابنه الحان تصيبه و لا الحان

أماله أمل حلو يلذّ به … كما تلذّ بمرأى النّور أجفان

أماله جيرة في الأرض يألفهم … يا جارتي ، كان لي أهل و جيران

فنبّت الحرب ما بيني و بينهم … كما تقطّع أمراس و خيطان

فاليوم كلّ الذي في مهجتي ألم … و كلّ ما حولهم بؤس و أحزان

و كان لي أمل إذا كان لي وطن … فيه لنفسي لبانات و خلّان

فجرّدته اللّيالي من محاسنه … كما يعرّى من الأشجار بستان

فلا المغاني التي أشتاق رؤيتها … تلك المغاني ، و لا السّكان سكّان

لو المروءة تدري أيّ فاجعة … بالشام ، ناح عليها الإنس و الجان

و لو يبثّ بنو لوعتهم … لاهتزّت الأرض لمّا اهتزّ لبنان

قالت : شكوت الذي بالخلق كلّهم … و ما كذبتك إنّ الحرب طوفان

تساوت الناس في البلوى ، فقلت لها … هيهات ، ما هان قوم مثلما هانوا

أمن يموت و لا ستر يظلّله … كمن عليه أكاليل و تيجان ؟

قالت ، و يا ويح نفسي من مقالتها … كفكف دموعك ، بعض الحزن أهوان

لو كان قومك أهلا للحياة لما … ماتوا و في أرضهم ترك و ألمان

و كلّ من لا يرى في الذّلّ منقصة … لا يستحقّ بأن يبكيه إنسان

كفّي ملامك يا حسناء و اتّئدي … فإنّ مدح ذوي العدوان عدوان

و أنت من أمّة تأبى خلائقها … أن يقتل الطّير في الأقفاص سجّان

و إنّ قومي طيور غير كاسرة … سطت عليها شواهين و عقبان

لا تحسبي أنّني أبكي لمصرعهم … فكلّنا للرّدى شيب و شبّان

لكن بكيت من الباغي يعذّبهم … و هم شيوخ و أطفال و نسوان

ورحت أشكو إليها و هي ساهية … لكنّما قلبها الخفّاق يقظان

حتّى انتهيت فصاحت و هي مجهشة … يا ليت ما قلته زور و بهتان

بل ليتني لم أسائل عنه جارتنا … بل ليت قلبي إذ ساءلت صوّان

ياليت شعري و هذي الحرب قائمة … هل تنجلي و لنا في الشّام إخوان ؟

و هل تعود إلى لبنان بهجته … و هل أعود و في لبنان نيسان ؟

فأسمع الطير تشدو في خمائله … و أبصر الحقل فيه الشّيخ و البان ؟

بني بلادي ، و لا أدعو بخيلكم … غير البخيل له قلب ووجدان

بني بلادي ، و لا أدعو جبانكم … ما للجبان و لا لي فيه إيمان

بني بلادي ، و كم أدعو … أليس لكم … كسائر الخلق أكباد و آذان ؟

لا تضحكوا و بأرض الشّام نائحة … و لا تناموا و في لبنان سهران

كلمات: حامد الغرباوى

ألحان: عبد القادر هدهود