ومطروفة العينين قد قدت الصبا – الفرزدق

وَمَطْرُوفَةِ العَيْنَينِ قد قُدْتُ الصِّبا، … تُقادُ إلى أخْرَى لَذِيذٍ شَمِيمُهَا

وَكَيْفَ بعَيْني وَالتي طُرِفَتْ بهَا … لهَا حِينَ ألْقَاهَا يَمُوتُ سُجُومُهَا

وَدَوّيّةٌ نَاءٍ مِنَ الخِمْسِ مَاؤهَا، … تَقَمَّسُ في طَافي السّرَابِ أرُومُهَا

وَلَيْلَةِ أسْرَابٍ نُزُولٍ مِنَ القَطَا … يُثَارُ بِألِحْي المُرْقِلاتِ جُثُومُهَا

أثرْتُ بِا جُونَ القَطا حِينَ عَسكرَتْ … على الأرْضِ دَيّورٌ تَداعى خُصُومُهَا

كأنّ حديثَ الدّارِجاتِ مِنَ القَطَا … تَراطُنُ أنْبَاطٍ تَلاقَتْ ورُومُهَا

بمُستَأنِسٍ بالقَفْرِ فَرْدٍ تَقاذَفَتْ … على الأرْضِ دَيمُوماتُها وَحُزُومُهَا

كأنّ رِجالَ الدّاعِرِيّةِ تَحْتَهَا، … قِلاصُ نَعَامٍ يَنْتَحِيهَا ظَليمُهَا

وَلَيْلَةِ لَيْلٍ لِلْمَهَارِي طَوِيلَةٍ، … وَأيّامُهَا اللاتي طِوَالٌ حُسُومُهَا

أقَمْتُ بهَا أعْنَاقَ غيدٍ، كَأنّها … سُكَارَى تُفَدّى تَارَةً، وَتَلُومُهَا

وَسَوْداءَ مِنْ لَيْلِ التَّمامِ اعتَسَفتُها … إلى أنْ تَجَلّى عَنْ بَياضٍ هُدومُهَا

كَأنّ بِها مَوصُولَتَينِ طَعَنْتُهَا … بِأعْنَاقِ أطْلاحٍ دَوَامٍ كُلُومُهَا

أقَمْتُ لَهَا أعْناقَ لازِقَةِ الذُّرَى، … إلى أنْ تَجَلّى بِالبَيَاضِ بَهِيمُهَا

وَمَا جُشّمَ الأظْهَارَ مِثلُ شِمِلّةٍ، … وَحَامِلَةٍ للهَمّ مَاضٍ صَرِيمُهَا

تَخَوّنَهَا تَهْجِيرُ كُلِّ وَدِيقَةٍ، … إلى أنْ أتَتْ مُخَّ السُّلامَى شُحومُهَا

وَهاجِرَةٍ كَلّفْتُ نَفْسِي وَنَاقَتي، … من المُنضِجاتِ اللّحمِ نِيّاً سُمومُها

فَهُنّ شِفَاءُ الهَمّ، إذْ جاءَ طارِقاً … لَدَى البَدَوَاتِ المُسْمَهِرِّ عَزِيمُهَا

وَحَمرَاءُ مِنْ لَيْلِ الشّتاءِ قَتلتُها … منَ القَرّ، يَأبَى كَلبُها لا يُرِيحُهَا

يَعَضّ عَلى النّارِ الّذينَ يَلُونَهَا، … إذا كانَ ثَوْبَ الكلبِ منها جَحيمُهَا

جَعلتُ لحَافَ القَرّ للمُبتَغي القِرَى، … بضَرْبَةِ سَاقٍ قَدْ أُفِرَّ صَمِيمُهَا

أنَخْنَا ثَلاثاً تَحتَ ضَامِنَةِ القِرَى، … مِنَ الغَلْي يَسْمُو بالمَحالِ هَزِيمُهَا

فَلَيْتَ أمِيرَ المُؤمِنينَ قدِ انْتَهَتْ … إلَيهِ مِنَ الصُّهْبِ المَهارِي رَسِيمُهَا

عَلَيها امرُؤٌ لا يَنقُضُ اللّيلُ عَزْمَهُ، … وَلا يُدْرِكُ الحاجاتِ إلاّ حَميمُهَا

بِذِعْلِبَةٍ مَا مَسّ إلاّ مُنَاخُها … لِنصْفِ صَلاةٍ، وَهيَ دامٍ رَثيمُهَا

لهَا الأرْضُ إلاّ أرْبَعٌ ثِفنَاتُهَا، … إذا اللّيْلَةُ السّوداءُ نَاداهُ بُومُهَا

وَلا يَقْتُلُ اللّيْلَ المُبَيَّتَ هَمُّهُ … مِنَ الصّهْبِ بالرُّكْبَانِ إلاّ كُتومُهَا

وَلَيْلَةِ لَيْلٍ قَدْ حَمَلْتُ ثَقِيلَهَا … عَلى رَحْلِ مِذْعانٍ بَطيءٍ سُؤومُها

خَبَطْتُ بهَا الظَلماءَ، حتى أضَاءَهَا … عَمُودُ ضِيَاءٍ بالبَيَاضِ يَضِيمُهَا

وَلَيْلَةِ لَيْلٍ مُرْجَحِنٍّ ظَلامُهَا، … سَوَاءٌ عَلَيْنَا طَلْقُهَا وَغُيُومُهَا

كَأنّ بهَا الأيّامَ وَاللّيْلَ وُصِّلا … وَظَلْمَاءَ مُسْوَدٌّ عَلَيْهَا بَهِيمُهَا

إذا مَا رَجَوْنَا ضَوْءهَا اعتكَرَتْ لهَا … شَآمِيّةُ الألْوَانِ ضَوْءٌ بَرِيمُهَا

فَذلِكَ من لَيلِ الطِّوَالِ إذا التَقَتْ … عَلَيْنَا بهِ ظَلْمَاؤهُ وَعُتُومُهَا

إذا قُلْتُ للحُرّاسِ هَلْ لَيْلَتي دنتْ … من الصّبْحِ أوْ كانَتْ جُنوحاً نجُومُهَا

يَقُولُونَ: ما يَنْزِلْنَ إلاّ تَنَزُّلاً … بَطِيئاً، وَمُسْوَدّاً عَلَيْنَا أدِيمُهَا

فَلَيْتَ مَكَانَ الأرْبَعِينَ الّتي لهَا … بِسَاقَيّ آثارٌ مُبِينٌ وَشُومُهَا

أخا نَجْدَةٍ عندي أخُوهُ فجَعتُهُ … بهِ، وَالمَنَايَا جَانِيَاتٌ حُتُومُهَا

فَنَازَلَني بِالسَّيْفِ عَنْهُ وَدُونَهُ … مع السيْفِ حِضْبُ الأرْضِ بادٍ شكيمُها