وردة وأميل – إيليا أبو ماضي

يا ليتما خلق الزمان أميلا … إني أراه كالشّباب جميلا

ولّى، فودّعت السماء بهاءها … من بعده ،هوى النّهار عليلا

جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما … تبغي رقادا أو تريد مقيلا

وتناثرت قطع السحاب كأنها … الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا

هذا وقد بسط السكون جناحه … والليل أمسى ستره مسدولا

قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد، … وكلّ جفن بالكرى مكحولا

إلا مهفهفة بها نزل الهوى … ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا

غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى … أني لأحسد ذلك الموصولا

تحكي المدامة رقة وقساوة … تحكي المهاة لواحظا وتليلا

ماء الحياء يجول في وجناتها … فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا

والخدّ أبهج ما يكون موردا … والطرف أفتن ما يكون كحيلا

نظرت وربّ منية من نظرة … قد كان عنها ربّها مشغولا

فهوت وربّ هوى تنال به تامنى … وهوى ينال به الحمام نبيلا

والحبّ مصدره العيون وربّما … تخذ السماع إلى القلوب سيلا

فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى … عينيك ، إنّ من العيون قتولا

ودّت وقد نال الذّبول خدودها … لو أن في الشّوق المقيم ذبولا

وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء … لم بجد عذل العاذلين فتيلا

سمعت دويا في الظّلام فهرولت … مذعورا بعد الوقوف طويلا

وأنين مختضر يقول قتلتني … ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا

تعدو وتجذبها روادفها إلى … خلف فتجهد خضرها المتبولا

فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما … وكأنّ في ذاك الإزار عذولا

تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا … ومن الأنين إلى الأنين دليلا

تبغي الوّقوف على حقيقة أمره ، … تبغي حليلا لا تراه جليلا

وتدير في تلك البنان مسدّسا … تركت قذائفه السهام فضولا

في طرفه كمن الهلاك فلو رنا … طرف الزّمان إليه عاد كليلا

قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه … فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا

يحمي الضعيف من القوي وربّما … قتل الجبان به الفتى البهلولا

ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل … قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا

حتى إذا رأيت المراد وما رأت … إلا خيالا واقفا مجهولا

حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت … أنّ الذي علقت به المقتولا

فدنت وأطلقت المسدّس نحو من … بصرت به عرضا فخرّ قتيلا

صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت … أسدا يخرّ له الهزير ذليلا

كالبدر حسنا ، كالغمام سماحة، … كالغصن غضّا، كالحسام صقيلا

ثبت الجنان قويّة، عف الإزارنقيّه ، … ما خان قطّ خليلا

هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى … فيها، وأغضب كاشحا وعذولا

ما نال بعد جهاده إلا الرّدى … والبدر يكسيه المسير أفولا

لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها … من لم تر أبدا سواء جميلا

عرفت وذلك عندما طلع الضّحى … ورأت عيانا نعشه محمولا

لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه … إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا

يا صاحبي إن جزت في قبريهما … فاتل السّلام عليهما ترتيلا

من شاعر ما حرّك الغصن الهوا … إلا تذّكر وردة وإميلا