هو الدهر تغشى الكائناتِ نوائبُه – ابن شيخان السالمي

هو الدهر تغشى الكائناتِ نوائبُه” … “على الخلق تجري كل يوم عجائبُهْ

يود الفتى الدُّنيا ويعلم غدرها” … “ولكن إليها الحب طبعاً يجاذبُهْ

وللدهر صولات وفي الناس غفلة” … “فلم يشعروا إلا وفيهم ضرائبُهْ

تُشَنُّ عليهم كل يوم جنودُه” … “وتَثبت فيهم كُتْبُه وكتائبُهْ

فلا سهل إلاَّ فيه منه إغارة” … “ولا وعر إلا فوقه حلَّ ناهبُهْ

يروم الفتى منه أموراً طويلةً” … “فيمضي ولم تحتم إليه مطالبُهْ

ويجهد فيه النفس في غيرِ طائل” … “وليسَ له إلا البلا وجوالبُهْ

ويُسلب منه ما يحق فناؤُهُ” … “ويعلم أنَّ الدهر لا شك سَالبُهْ

ويجمع منه للتراب فيغتدي” … “وقد قُطعت أترابه وترائبُهْ

نطقنا فكان الدهر أفصح ناطق” … “وعشنا فما في العيش إلاَّ معاطبُهْ

بدأنا فكان البدءُ أصلاً لذاتنا” … “ويا رُبَّ بدءٍ تستمر مشاربُهْ

فلو كان هذا الدهر يفهم عتبنا” … “بما جرَّهُ فينا لكنا نعاتبُهْ

إذا هلك الأبناء وهو أبوهم” … “فكيف يرجَّى صفوُه ومطالبُهْ

وما تنسب الأهلاك مِنه حقيقة” … “ولكن مجازاً تقتضيه دواعبُهْ

ولله في المخلوق سَبْقُ إرادةٍ” … “عليها جرت أحكامه ومخاطُبهْ

وكيف يرجي المرء لذة عيشةٍ” … “وقد فارقته غِيده وشبائبُهْ

تُشاهِد عيناه مصارَع أهله” … “من الحتف والتغيير لا شكَّ نائبُهْ

تُشاهِد عيناه مصارَع أهله” … “من الحتف والتغيير لا شكَّ نائبُهْ

درى أن ما يحويه لَهْوٌ وباطل” … “متى يَدْرِ ما غاياته وعواقُبهْ

فأين إلى أين الهروب وطالب المنا” … “يا سريع لم يفت منه هاربُهْ

أرى العمر مثل الدَّين فالبعض حاضر” … “يؤدَّى وبعض منه يَنْظُر طالبُهْ

وجمهرة الموتى صنوف فواحد” … “يموت ولم تحزن عليه أقاربُهْ

وبعضهم إن مات يبكيه أهلهُ” … “وجيرانه فقداً لهُ وحبائبُهْ

وبعضهم ما مات إلا تضعضعت” … “مشارقه من فقده ومغاربُهْ

كما هدّ رزء مصطفى كامل العُلا” … “بمصر فعمت كل مصر مصائبُهْ

ومن كان يملا الأرض حُبّاً صلاحُه” … “فلا عجب أن عمَّها منه صائبُهْ

ومن أضحك الدنيا سروراً حضورُه” … “فلا غَرْوَ إن أبكى السَّماواتِ غائبُهْ

لئن فجعت مصرٌ به فلطالما” … “كساها سروراً سعيُه ومناصبُهْ

فتى شأنه جمع المفاخر والعلا” … “ونظم شتات الدين سعياً مكاسبُهْ

فتى أحرز الأوطانُ حُكماً وحِكمة” … “وساست ديارَ المسلمين مناقبُهْ

فتى كان نوراً يستضيءُ به الورى” … “بليل تجلت بالضلال غيَاهُبهْ

فتى مارس الأشياء علماً وأظهرت” … “إلينا خفياتِ الأمور تجاربُهْ

فتى كان للاسلام حرزاً ومعقلاً” … “وحصناً منيعاً فاستهل جوانبُهْ

لهُ الهمة العليا لاحراز كلمة الإ” … “له فطالت في العلاء رواجبُهْ

تجرد سيفاً قاطعاً كل عارض” … “على حرم الإِسلام فاشتدّ جانبُهْ

لقد كان في أيامه ناشرَ اللِوَا” … “لِوَا الدين حتى قام في الأرض خاطبُهْ

فلو كان من سهم المنايا حمايةٌ” … “إذاً لحمته سُمْرُه وقواضبُهْ

ومذ حملوه فوقهم قلتُ سارت” … “الجبالُ وهذا الحشر تبدو غرائبُهْ

فيا بدرَ فَضلٍ كيف طال غيوبه” … “ويا بحرَ فضلٍ كيف غيضت غواربُهْ

ويا دهر رِفْدٍ كيف بدل غيره” … “ويا طور مَجْدٍ كيف هدت مناكبُهْ

فيا عصبة الإِسلام نوحي على الذي” … “هوت إذ هوى أقمارُه وكواكبُهْ

على مثله فلتذهب النفس حسرة” … “وفي مثله فليَسكب الدمعَ ساكبُهْ

فيا أهل مصر بل أيا كل مسلم” … “عزاءً فإن الصبر يظفر صاحبُهْ

فبالمصطفى عن مصطفى سلوة لكم” … “وما شربا فالكل لا بدَّ شاربُهْ

إلهي عقد المسلمين مبدَّدٌ” … “وقد علقت للكفر فيهم مخالبُهْ

أقم ناصراً للدين شهماً فقد خوت” … “معالمهُ ضَعفاً فضاقت مذاهبُهْ

أما ناظمٌ منهم فيجمع شملهم” … “أما قائم فيهم تفل مضاربهْ

أما لحِمى الاسلام حامٍ فيعتلي” … “سماء معاليه وتبدو كواكُبهْ

فأين حماة الدين والعرب الأُلى” … “يعافون ذكر العار لا كان راكبُهْ

لقد أعلن الداعي وأفصح فيكم” … “فهل ناهض بالحق منكم يجاوبُهْ

فإن تحرق الأحشا مصيبةُ مُصطفى” … “فمنا ومنكم من تفوق مراتبُهْ

فلولا ابن تركي في عمان مشمر” … “لقامت على الاسلام فيها نوادبُهْ

هو الملك السُّلطان فيصل من صفت” … “موارده فضلاً وطابت مشاربُهْ

حمى حوزة الاسلام فارتاح أهله” … “ودبر أمر الملك فانزاح طالبُهْ

إذا ما نداه فاض عمت مواهبه” … “فلم يحكه التيار طمت خواربُهْ

لقد أفصحت أفضالُه كل الْكنٍ” … “فدفَّق حتى نظّم الجَزْعَ ثاقِبُهْ

فلا زال في عمر طويل ولم تزل” … “غرائِبه تبدي الهُدى ورغائبُهْ