هوى لي وأهواءُ النفوسِ ضروبُ – مهيار الديلمي
هوى لي وأهواءُ النفوسِ ضروبُ … تجانبُ قوسي أن تهبَّ جنوبُ
يدلُّ عليها الريفُ أين مكانهُ … و يخبرها بالمزنِ كيفَ يصوبُ
و نمشى على روضِ الحمى ثم نلتقي … فيبلغني منها الغداة َ هبوبُ
أماني بعيدٍ لو رآها لسرها … مكانَ الحيا من مقلتيه غروبُ
و دمعْ إذا غالطتُ عنه تشاهدتْ … قوارفُ في خدي له وندوبُ
على أنّ ذكرا لا تزال سهامهُ … ترى مقتى من مهجتي فتصيبُ
إذا قيل ميٌّ لم يرعني بحلمه … حياءٌ ولم يحبسْ بكاي رقيبُ
أعير المنادى باسمها السمعَ كله … على علمه أني بذاك مريبُ
و كم ليَ في ليل الحمى من إصاخة ٍ … إلى خبر الأحلامِ وهو كذوبُ
توقرُ منها ثم تسفهُ أضلعي … و يجمدُ فيها الدمعُ ثم يذوبُ
و ما حبُّ ميًّ غيرُ بردٍ طويتهُ … على الكرهِ طيَّ الرثَّ وهو قشيبُ
رأتْ شعراتٍ غيرَ البينُ لونها … فأمست بما تطريه أمس تعيبُ
أساءكِ أن قالوا أخٌ لكِ شائبٌ … فأسوأُ منه أن يقالَ خضيبُ
و من عجبٍ أنَّ البياضَ ولونه … اليكِ بغيضٌ وهو منكِ حبيبُ
أحينَ عسا غصني طرحت حبائلي … إليّ فهلا ذاك وهو رطيبُ
يظنينهُ من كبرة ٍ فرطَ ما انحنى … كأنْ ليس في هذا الزمان خطوبُ
فعدى سنيهِ إنما العهدُ بالصبا … و إن خانه صبغُ العذارِ قريبُ
و في خطلِ الرمح انحناءٌ وإنما … تعدُّ أنابيبٌ له وكعوبُ
هموميَ من قبل اكتهالي تكهلٌ … و غدركِ من قبل المشيبِ مشيبُ
و ما كان وجهٌ يوقدُ الهمُّ تحته … لتنكرَ فيه شيبة ٌ وشحوبُ
لو أنّ دمي حالتْ صبيغة ُ لونهِ … مبيضة ً ما قلتُ ذاكَ عجيبُ
ألم تعلمي أنَّ الليالي جحافلٌ … و أنَّ مداراة َ الزمانِ حروبُ
و أنَّ النفوسَ العارفاتِ بلية ٌ … و حملَ السجايا العالياتِ لغوبُ
يسيغُ الفتى أيامهُ وهو جاهلٌ … و يغتصُّ بالساعاتِ وهو لبيبُ
و بعضُ موداتِ الرجالِ عقاربٌ … لها تحت ظلماء العقوقِ دبيبُ
تواصوا على حبَّ النفاقِ ودينهُ … بأنْ يتنافى َ مشهدٌ ومغيبُ
فما أكثرَ الإخوانَ بل ما أقلهم … على نائباتِ الدهر حين تنوبُ
و قبلَ ابنِ عبدِ الله ما خلتُ أنه … يرى في بني الدنيا الولودِ نجيبُ
ألا إن المجدِ يخلصُ طينهُ … و كلّ الذي فوق التراب مشوبُ
سقى الله نفسا مذ رعت قلة َ العلا … فكلُّ مراعيها أعمُّ خصيبُ
و حيا على رغم الغزالة ِِ غرة ً … إذا طلعتْ لم تدجُ حين تغيبُ
و حصنَ صدرا قلبُ أحمدَ تحته … يضيق ذراعُ الدهر وهو رحيبُ
من القوم بسامون والجوُّ عابسٌ … و راضون واليومُ الأصمّ غضوبُ
رأوا بابنهم ليثَ الشرى وهو ساربٌ … لحاجته والبحرَ وهو وهوبُ
فتى ً سودته نفسهُ قبل خطه … و شابت علاه وهو بعدُ ربيبُ
و قدمه أن يعلقَ الناسُ عقبهُ … سماحٌ مع الريح العصوفِ ذهوبُ
و رأيٌ على ظهر العواقبِ طالعٌ … إذا أخطأ المقدارُ فهو مصيبُ
إذا ظنَّ أمراً فاليقينُ وراءه … و يصدق ظنُّ تارة ً ويحوبُ
و خلقٌ كريمٌ لم يرضهُ مؤدبٌ … تمطقَ فوه الثديَ وهو أديبُ
تحمل أعباءَ الرياسة ِ ناهضا … بها قاعدا والحادثاتُ وثوبُ
و صاحتْ به الجلى لسدّ فروجها … فأقدمَ فيها والزمانُ هيوبُ
و كم عجمتهُ النائباتُ فردها … رداداً وعاد النبعُ وهو صليبُ
هناك اتفاقُ الناسِ أنك واحدٌ … إذا كان للبدر المنير ضريبُ
و أعجبُ ما في الجودِ أنك سالبٌ … به كلَّ ذي فضل وأنتَ سليبُ
أأنسى لك النعمى التي تركتْ فمي … يصعدُ يبغي شكرها ويصوبُ
ملكتَ فؤادي عند أول نظرة ٍ … كما صاد عذرياً أغنُّ ربيبُ
و كنتُ أخاف البابليَّ وسحرهُ … و لم أدر أن الواسطيَّ خلوبُ
و غناك أقوامٌ بوصفِ مناقبي … فرنحَ نشوانٌ وحنَّ طروبُ
رفعتَ منارَ الفخرِ لي بزيارة ٍ … و سمتَ بها مغنايَ وهو جديبُ
و كنتَ لداءٍ جئتني منه عائداً … شفاءً وبعضُ العائدين طبيبُ
و أنهلتنيَ من خلقك العذبِ شربة ً … حلتْ لي وما كلُّ الدواء يطيبُ
و لما جلا لي حسنَ وجهك بشرهُ … تبينَ في وجه السقام قطوبُ
أجبتَ وقد ناديتُ غيرك شاكيا … و ذو المجد يدعى غيرهُ فيجيبُ
فطنتَ لها أكرومة ً نام غفلة ً … من الناس عنها مائقٌ وأريبُ
ذهبتَ بها في الفضل ذكراً بصوته … سبقتَ فلم يقدر عليك طلوبُ
لئن كان في قسم المكارم شطرها … فللدين فيه والولاءِ نصيبُ
و إن أك من كسرى وأنت لغيره … فإنيَ في حبّ الوصيّ نسيبُ
ستعلمُ أنَّ الصنع ليس بضائعٍ … عليّ ولا الغرسَ الزكيَّ يخيبُ
و تحمدُ منيّ ما سعيتَ لكسبهِ … و ما كلّ ساعٍ في العلاء كسوبُ
و مهما يثبك الشعرُ شكرا مخلدا … عليها فإنّ اللهَ قبلُ يثيبُ
و تسمعُ في نادي الندى أيَّ فقرة ٍ … يقوم بها في الوافدين خطيبُ
متى امتدّ بي عمرٌ وطالت مودة ٌ … فربعك حسنٌ من ثنايَ وطيبُ
و دونك مني ضيغمٌ فوهُ فاغرٌ … متى مادنا من سرحِ عرضك ذيبُ
محاسنُ قومٍ وسمة ٌ في جباههم … و لي حسناتٌ سرهن غيوبُ
و ما الحسنُ ما تثنى به العينُ وحدها … و لكنَّ ما تثنى عليه قلوبُ
لقد علقتْ دنياك مذ قيضتك لي … و راح عليها الحلمُ وهو غريبُ
أظنُّ زماني إن زجرتَ صروفهُ … سيرجع عما ساءني ويتوبُ
تخاتلني الأخبارُ أخلبَ برقها … بأنك يا بدرَ الكمال تغيبُ
فأمسكُ قبلَ البين أحشاءَ موجع … لها بين أثناء الحذار وجيبُ
بأيّ فؤادٍ أحمل البعدَ والهوى … جديدٌ وذا وجدي وأنتَ قريبُ
فلا تصدعَ الأيامُ شملَ محاسنٍ … تسافر مصحوبا بها وتؤوبُ
و لا تعدمَ الدنيا بقاءك وحده … فإنك في هذا الزمان غريبُ