هل الشيبُ إلاّ غصّة ٌ فى الحيازمِ – الشريف المرتضى

هل الشيبُ إلاّ غصّة ٌ فى الحيازمِ … وداءٌ لرّباتِ الخدور النّواعمِ

يحدنَ إذا أبصرنه عن سبيلهِ … صدودَ النّشاوى عن خبيث المطاعمِ

تعمَّمتُهُ بعدَ الشَّبيبة ِ ساخطاً … فكان بياضُ الشّيبِ شرَّ عمائمى

وقنّعتُ منه بالمخوفِ كأنّنى … تقنَّعتُ من طاقاتِهِ بالأراقمِ

وهيَّبني منه كما هابَ عائجٌ … على الغابِ هيباتِ اللّيوثِ الضَّراغمِ

وهدَّدني في كلِّ يومٍ وليلة ٍ … سَنا وَمْضِهِ بالقارعاتِ الحواطمِ

كفانيَ عُذَّالي على طِرْبَة ِ الصِّبا … وقامَ بلَوْمٍ عِفْتُهُ من لوائمي

وقصَّر عنِّي باعُ كلِّ لَذاذة ٍ … وقصَّر دوني خَطْوُ كلِّ مُخالِمِ

فوالله ما أدرى أصكّتْ مفارقى … بفهرِ مشيبٍ أوْ بفهرِ مراجمِ ؟

ولمّا سقانيهِ الزّمانُ شربتهُ … كما أُوجِرَ المَأْسورُ مُرَّ العلاقمِ

حنتنى َ منه الحانياتُ كأنّنى … إذا ظَلْتُ يوماً قائماً غيرُ قائمِ

وأصبحتُ يُستَبْطَى مُثولي ويُدَّعَى … وما صَدقوا فيَّ اختلالُ العزائمِ

فلا أنا مدعوٌّ ليومِ تَفاكُهٍ … ولا أَنا مرجُوٌّ ليومِ تخاصُمِ

فلا تَطلبا منِّي لقاءَ مُحارب … فما أنا إلاّ فى ثيابِ مسالمِ

ولا تَدفعا بي عنكما غُشْمَ غاشمٍ … فإنّى َ فى أيدى المشيبِ الغواشمِ

فلو كنتُ آسو منكما الكلمَ ما رأتْ … عيونُكما عندي كُلومَ الكوالِمِ

وإنّى أميمٌ بالمشيبٍ فخلّيا … ولا تَطلبا عندي علاجَ الأمائِمِ

مشيبٌ “كخرقِ الصّبحِ عالٍ” بياضهُ … بُرودَ اللّيالي الحالكاتِ العوارمِ

وتطلع فى أفقِ الشّبابِ نجومهُ … طلوعَ الدّرارى فى خلالِ الغمائمِ

كأنِّيَ منه كلمَّا رمتُ نهضة ً … إلى اللّهوِ مقبوضُ الخُطا بالأداهمِ

تُساندني الأيدي وقد كنتُ برهة ً … غنيّاً بنفسى عن دعامِ الدّعائمِ

وأخشعُ في الحطبِ الحقيرِ ضَراعة ً … وقد كنت دفّاعاً صدورَ العظائمِ

وقد كنتُ أبّاءً على كلّ “جاذبٍ” … فلما علاني الشيَّبُ لانتْ شكائمي

ولمّا عرانى ظلّهُ وحملتهُ … أنِسْتُ على عَمْدٍ بحَمْلِ المظالِمِ

فلا ينغُضَنْ رأسي إلى العزِّ بعدَما … تجللّهُ منه مذلُّ الجماجم

فيا صبغة ً حمّلتها غيرَ راغبٍ … ويا صبغة ً بدّلتها غيرَ سائمِ

ويا زائرى من غير أن أستزيره … كما زِيرَ حَيْزومُ الفتى باللَّهاذِمَ

أقمْ لا ترمْ عنّى وإنْ لم تكنْ هوًى … فكم قد سَخِطْنا فَقْدَ غيرِ مُلائمِ

فمن مبدِ لى من صحبهِ بظلامهِ ؟ … ومن عائضى عن بيضهِ بالسّواهمِ ؟

ومن حاملٌ عنِّي الغَداة َ غرامَهِ؟ … وقد كنتُ نهّاضاً بثِقْلِ المغارِمِ؟

فيا بيضَ بيضَ الرّأسِ هل لى َ عودة ٌ … إلى السّودِ من أغياركنّ الفواحمِ ؟

تنازحْنَ بالبِيضِ الطَّوالعِ شُرَّداً … كما شرّد الإصباحُ أحلامَ نائمِ

ويا فجرَ رأسي هل إلى ليلة ِ المُنَى … سبيلٌ وكرّاتِ المواضي القوائمِ؟

ليالى َ أفدى بالنّفوسِ وأرتدى … من البيض إِسعافاً ببيضِ المعاصِمِ

فإنْ كان فقدانى الشبيبة َ لازماً … فحُزْني عليها الدَّهرَ ضربة ُ لازمِ

وإنْ لم يكنْ نوحى بشافٍ وأدمعى … فدمعُ الحيا كافٍ ونَوْحُ الحمائمِ