هذي الحَياةُ كَمُستَشفى تَنامُ بِهِ – الياس أبو شبكة

هذي الحَياةُ كَمُستَشفى تَنامُ بِهِ … مَرضى الوُجودِ وَلا تَشفى مِن الداءِ

كَأَنَّما الداءُ مَخفِيٌّ بِأَنفُسِها … سِرٌّ عَصى كَشفُهُ عِلمَ الأَطِبّاءِ

سَأَلتُ نَفسِيَ يَوماً وَهِيَ باكِيَةٌ … كَأَنَّها ضَجِرَت ما بَينَ أَعضائي

يا نَفسٌ إِن كُنتِ في لُبنانَ يائِسَةً … هذي دِمَشقُ تَناغينا بِإِصفاءِ

الماءُ في بَرَدى عَذبٌ مرقرقه … كَأَنَّهُ لُؤلُؤٌ في عَينِ حَوراءِ

وَالطَقسُ مُعتَدِلٌ فيها وَصافِيَةٌ … سَماؤُها وَهيَ بَينَ الزَهرِ وَالماءِ

فَلَم تُجِبني وَظَلَّت وَهيَ صامِتَةٌ … تَرمي عُيوني بِأَنظارٍ وَإِصغاءِ

كَأَنَّ في نَفسِها سِرّاً تُحاوِلُ أَن … تُخفيهِ وَالعَينُ تُجليهِ بِإِفشاءِ

فَقُلتُ هذي فُروقٌ إِن سَكنتِ بِها … سَكَنتِ يا نَفسُ أَرضاً لِلأَشدّاءِ

فُروقُ يحرسُها البوسفورُ مَنظَره … يَفيقُ في كلِّ صَدرٍ مجدَ آباءِ

إِذا تَأَمَّل قرنُ التبر شاطِئَه … تَأَمَّل المَجد في أَحضانِ عَلياءِ

وَالشَمسُ تَسكُب في الأَمواهِ مُهجتَها … بَسّامةً عَن حلىً في ثَغرِ عَذراءٍ

وَهذِهِ مِصرُ وَالأَهرامُ ترمَقُها … بِعَينِ فِرعَونَ عَن أَلحاظِ حَسناءِ

كَأَنَّها وَهديرُ النيلِ يُطرِبُها … عُشّاقةُ الفَنِّ بَينَ الشِعرِ وَالنائي

فَلَم تُجِبنِيَ هَل خَرساءُ نَفسِيَ أَم … جيئَت بجنِّيَّةٍ شَمطاءَ خَرساءِ

فَقُلتُ يا نَفسُ إِن تَهوي السُكونَ فَما … في الكَونِ حَزازاتٍ وَشحناءِ

فَلنَسكُنِ القطبَ حيثُ النَجمُ ساطِعَةٌ … تُصبي النُفوسَ بِأَنوارٍ وَأَضواءِ

هُناكَ لا حقدَ تَرتاعُ النُفوسُ لَهُ … وَلا لهاثٌ من القَومِ الأَرِقّاءِ

إِذا ذاكَ نادَت بِصَدري النَفسُ قائِلَةً … أَيّا سَكنتَ تجد حكماً لِإِرضائي

بِشَرطِ أَن تَنثَني مِن عالَمٍ كَثرت … فيهِ الحَزازاتُ مِن ظُلمٍ وَبَغضاءِ