نفَّرها عنْ وردها بحاجرِ – مهيار الديلمي

نفَّرها عنْ وردها بحاجرِ … شوقٌ يعوقُ الماءَ في الحناجرِ

وردّها على الطَّوى سواغبا … ذلُّ الغريبِ وحنينُ الزَّاجرِ

فطفقتْ تقنعها جرَّاتها … منْ شبعِ دارٍ وريٍّ حاضرِ

يكسعها التُّرابُ في أعطافها … تساندِ الأعضادُ بالكراكرِ

ذاك على سكونِ منْ أقلقها … وأنَّها وافية ٌ لغادرِ

مغرورة ُ الأعينِ منْ أحبابها … بخالبِ الإيماضِ غيرِ ماطرِ

تقابلُ المذمومَ منْ عهودهمْ … بكلِّ قلبٍ ولسانٍ شاكرِ

وهي بأرماحِ الملالِ والقلى … مطرودة ٌ منخوسة ُ الدَّوابرِ

تشكو إليهمْ غدرهمْ كما اشتكتْ … عقيرة ٌ إلى شفارِ العاقرِ

قدْ وقروا عنها وكانتْ مدَّة ً … تسمعُ منهمْ كلَّ سمعٍ وافرِ

وكلَّما ليموا على جفائها … تواكلوا فيها إلى المعاذرِ

فليتَ شعرَ جدبها إذْ صوّحوا … أينَ الخصيبُ الكثُّ في المشافرِ

وهبهمُ عنِ السِّيولِ عجزوا … فأينَ بالقاطرِ بعدَ القاطرِ

كانتْ لها واسعة ً ركابهمْ … وكيلهمْ في الحظِّ كيلُ الخاسرِ

ففيمَ ضاقوا فتناسوا حقَّها … والدَّهرُ يعطيهمْ بسهمٍ وافرِ

كانتْ وهمْ في طيِّ أغمادهمُ … لمْ تتبرَّزهمْ يمينُ شاهرِ

وافرة ً أقسامها فما لها … لمْ تقتضبْ منْ هذهِ المناشرِ

هلْ ذخرتهمْ دونَ من فوقِ الثَّرى … إلاَّ ليومِ النَّفعِ بالذَّخائرِ

لو شاوروا مجدٌ ابنَ أيُّوبَ لما … فاتتهمْ حزامة ُ المشاورِ

إذنْ لقدْ تعلَّموا ولُقِّنوا … رعيَ الحقوقِ منهُ والأواصرُ

للهِ راعٍ منهمُ مستيقظٌ … لمْ يتظلَّمْ طولَ ليلِ السَّاهرِ

يرى الصَّباحَ كلُّ منْ توقظهُ ال … عليا وما لليلهِ منْ آخرُ

جرى إلى غايتهِ فنالها … مخاطراً والسَّبقُ للمخاطرِ

ما برحتْ تبعثهُ همَّتهُ … في طلبِ الجسائمِ الكبائرُ

حتّى أنافَ آخذاً بحقهِ … منَ العلا أخذَ العزيزِ القادرِ

ردَّ عميدُ الرؤساءِ دارسَ ال … مجدِ وأحيا كلَّ فضلٍ داثرِ

حلَّقَ حتَّى اشتطَّ في سمائهِ … بحاكمٍ في نفسهِ وآمرِ

وبعدُ في الغيبِ لهُ بقيَّة ٌ … ناطقة ُ الأنباءِ والبشائرِ

ولمْ يقصِّرْ قومهُ عنْ سودَدٍ … يخبِّرُ عنْ أوَّلهمْ بالآخرِ

ولا استزلُّوا عنْ مقامِ شرفٍ … توارثوهُ كابراً عنْ كابرِ

لكنّهُ زادَ بنفسٍ فضلتْ … فضلَ يدِ الذّارعِ شبرَ الشّابرِ

والشَّمسُ معْ أنَّ النُّجومَ قومها … تنسخهنَّ بالضِّياءِ الباهرِ

وخيرُ منْ كاثركَ الفخرُ بهِ … شهادة َ الأنفسِ للعناصرِ

هوَّنَ في الجودِ عليهِ فقرهُ … أنَّ المعالي إخوة ُ المفاقرِ

فالمالُ منهُ بينَ مفنٍ واهبٍ … والنَّاسُ بينَ مقتنٍ وذاخرِ

ولنْ ترى الكفُّ القليلُ وفرها … في النَّاسِ إلاَّ لابنِ عرضٍ وافرِ

منْ راكبٌ تحملهُ وحاجة ٌ … أمُّ الطَّريقِ منْ بناتِ داعرِ

ضامرة ٌ تركَّبتْ نسبتها … شطرينَ منْ ضامرة ٍ وضامرِ

يقطعُ عنِّي مطرح العينينِ لا … أسومهُ مشقَّة َ المسافرِ

منْ أسهلتْ أو أحزنتْ رحلتهُ … فحظُّهُ حظُّ المجيرِ العابرِ

بلِّغْ على قربِ المدى وعجبٌ … قولي بلِّغْ حاضراً عنْ حاضرِ

نادِ بها الأوحدَ يا أكرمَ منْ … تثنى عليهِ عقدُ الخناصرِ

لم تسدِ النَّاسَ بحظٍّ غالطٍ … متَّفقٍ ولا بحكمٍ جائرِ

ولا وزرتَ الخلفاءَ عرضا … بلْ عنْ يقينٍمنْ عليمٍ خابرِ

ما هزَّكَ القائمُ حتَّى اختبرتْ … بالجسِّ حدَّيكَ يمينُ القادرِ

خليفتانِ اصطفياكَ بعدَ ما … تنخَّلا سريرة َ الضَّمائرِ

وجرَّبا قبلكَ كلَّ ناكلٍ … فعرفا فضلَ الجرازِ الباترِ

لمْ تكُ كالقبائلِ في حبالهِ … والدِّينُ منهُ مسحلُ المرائرِ

يأكلُ مالَ اللهِ غيرَ حرجِ الصّ … درِ بما جرَّ منَ الجرائرِ

فانعمْ بما أعطيتَ منْ رأيِّهما … وكاثرِ المجدَ بهِ وفاخرِ

واكتسِ ما ألحفتَ في ظلَّيهما … منْ ردنٍ زاكٍ وذيلٍ طاهرِ

فحسبُ أعدائكَ كبتاً وكفى … كبَّاً على الجباهِ والمناخرِ

إنَّ الَّذي ماتَ ففاتَ منهما … بقَّاكَ ذخراً بعدهُ للغابرِ

فابقَ على ما رغموا مملَّكا … أزمَّة َ الدّسوتِ والمنابرِ

ما دامتِ المروة ُ أختاً للصفا … والبيتُ بينَ ماسحٍ ودائرِ

واجلس لأيَّامِ التَّهاني مالئا … صدورها بالمجدِ والمآثرِ

تطلعُ منها كلَّ يومٍ شارقٍ … بمهرجانَ وبعيدٍ زائرِ

لكَ الزكيُّ البرُّ منْ أيَّامها … وللأعادي كلُّ يومٍ فاجرِ

واسمعْ أناديكَ بكلِّ غادة ٍ … غربيَّة ٍ لمْ تجرِ في الخواطرِ

مؤيسة ِ الغرامِ في باطنها … مطعمة ٍ في نفسها بالظَّاهرِ

وهيَ على كثرة ِ منْ يحبها … وحسنها قليلة ُ الضَّرائرِ

تستولدُ الودادَ والأموالَ منْ … كلِّ عقيمٍ في الولادِ عاقرِ

فلستَ تدري فكرة ٌ منْ شاعرٍ … جاءتْ بها أو نفثة ٌ منْ ساحرِ

ملَّككَ الودُّ عزيزَ رقِّها … وهي منَ الكرائمِ الحرائرِ

تفضلُ في وصفكَ ما تفضلهُ … في الرَّوضِ أسآرُ الغمامِ الباكرِ

لاتشتكيكَ والملالُ حظُّها … منكَ وأنْ ريعتْ بهجرِ الهاجرِ

في سالفِ الوصفِ وفي مستأنفِ ال … جفاءِ بينَ شاكرٍ وعاذرِ

واعرفْ لها اعترافها إذْ أنصقتْ … واعرفْ لها في الجورِ فضلَ الصَّابرِ