نبهتهُ فقام مشبوحَ العضدْ – مهيار الديلمي

نبهتهُ فقام مشبوحَ العضدْ … أغلبُ لوسيمَ الهوانَ ما رقدْ

في يده مذروبة ٌ مزيدة ٌ … و درعه سابغة ٌ من اللبدْ

إذا غدا لم يحتشمْ هاجرة ً … و إن سرى لم يخ من ليلٍ بردْ

إن همّ لم يحبسْ على مشورة ٍ … و إن غدا لسفرٍ لم يستعدْ

لكلّ باغي قنصٍ طريدة ٌ … تنفرُ منه وله كلُّ الطردْ

هبَّ بلبيك وقد دعوته … مكتفيا بقوله إلى الأبدْ

و خيرُ من ساندَ ظهري أسدٌ … أو رجلٌ في صدره قلبُ أسدْ

و قال في لهاة ِ أيّ خطرٍ … تقذفُ بي وعرض ما أيَّ بلدْ

و ما الذي رابك قلتُ حاجة ٌ … في أفقِ المجدِ فقام فصعدْ

يسبقني سعيا لما أريده … حتى لقد أدرك بي ما لم أردْ

فردينْ إلاّ صارمين اعتنقا … و ضامرينْ وردا أين قددْ

تضمرُ أحشاءُ الدياجي والفلا … منى ومنه جسدين بجسدْ

كأنّ إثرينا إذا ما أصبحا … على الثرى مسحبُ رمح أو مسدْ

حتى بلغتُ مسرحَ العزّ به … بأول الشوط وأقرب الأمدْ

و ربَّ عزمٍ قبلها ركبتهُ … ففتُّ أن أظلمَ أو أن أضطهد

و غارة ٍ من الكلامِ شنها … على اللئامِ كلُّ معنى ً مطردْ

شهدتها مغامراً وكنت بال … حضّ عليها غائبا كمن شهدْ

و لذة ٍ صرفتُ وجهي كرما … عنها وفيها رغبة ٌ لمن زهدْ

لم يعتلقني بأثامٍ حبلها … و لم ينلني عارها ولم يكدْ

و حلة ٍ طرقتُ من أبياتها … أمنعها بابا وأعلاها عمدْ

و الحيّ إما خالفٌ أو حاضرٌ … خيطُ الكرى بجفنهِ قد انعقدْ

و ليس إلا بالنباح حرسٌ … لهم وإلا مقلة النارِ رصدْ

فبتُّ أستقري الحديثَ وحده … و غيرهُ لولا العفافُ لي معدّْ

و دون إرهابيَ حدٌّ صارمٌ … عانقته ومقولٌ منه أحدّْ

و كم بذاتِ الرمل من نافرة ٍ … بغير أشراك الشبابِ لم تصدْ

أحسنُ من بذلِ هواها منعها … و من وصالِ الغانياتِ ما تصدّْ

نوميَ محفوظٌ إذا ما زرتها … و موضعي إن غبتُ عنه مفتقدْ

يعجبُ قلبي مطلها لطول ما … يكرُّ بي المطلُ إليها ويردّ

لله أحبابٌ وفيتُ لهمُ … بما استحقوا من أسى ً ومن كمدْ

لم يكفهم شقوة ُ عيني بعدهم … حتى استعانوا بالدموع والسهدْ

مضوا بجمات الحياة معهم … و عولوا بشفتى على الثمدْ

صحبتُ قوما بعدهم حبالهم … سحيلة ُ الفتل رخيات العقدْ

و ما على من كدهُ حرُّ الظما … إذا رأى الماءَ الأجاجَ فوردْ

يضربُ قومٌ في وجوهِ إبلي … و قد كفاهم أنها عنهم حيدْ

لا تعجل الكومَ إلى ذيادها … فهي قماحٌ عنكمُ لو لم تذدْ

ما للبخيل يتحامى جانبي … متى رآني عاكفا على النقدْ

يسترُ عنيّ القعبَ دافَ حنظلا … فيه وقد أمرَّ في فيَّ الشهدْ

ما أبصرَ الدهرَ بما أريده … لو كان في الحكم عليّ يفتصدْ

أنولني منزلة ً بين الغني … و الفقرِ لم يبخلْ بها ولم يجدْ

و شرُّ أقسامك حظٌّ وسطٌ … أرعنُ لم تخملُ به ولم تسدْ

أغرى الليالي بيَ أنيَ عارفٌ … بالسهل من أخلاقهنَّ والنكدْ

و أنني أقدحُ في صروفها … بعزمة ٍ تضيءُ لي على البعدْ

تطلعني على اليقين ظنتي … كأنّ يومي مخبري بسرَّ غدْ

يا بائعي مرتخصا بثمني … سوف يذمّ مستعيضُ ما حمدْ

مثلي نضارا ضنت الكفُّ به … لو كان في الناس بصيرٌ ينتقدْ

قد فطنتْ لحظها مطالبي … و أبصرتْ عيني الضلالَ والرشدْ

و قد علمتُ أيَّ برق أمتري … مزنته وأيَّ بحرٍ أستمدّْ

و وسعتْ أيدي بني أيوبَ لي … و بشرهم ملء المنى ما لا وودّْ

فما أبالي وهمُ الباقون لي … من ذا فنى في الناس أو من ذا نفدْ

و لا أروم الرزقَ من غيرهمُ … و إنما أطلبُ من حيث أجدْ

المانعون بالجوار والحمى … و الناهضون بالعديد والعددْ

و الغامرون المحلَ من جودهمُ … بكلّ كفًّ ذاب في عامٍ جمدْ

و الضاربون في اليفاع والذرى … إذا بيوتُ الذلَّ عاذتْ بالوهدْ

تضيء تحت الليل أحسابهمُ … لضيفهم إن حاجبُ النار خمدْ

مدوا إلى الحاجات من ألسنهم … ذوابلا منذ استقامت لم تمدْ

لا تتقيها هامة ٌ بمغفرٍ … و لا يداريها عن الجسم الزردْ

تبهر في الأسماع كلَّ جائفٍ … إذا استقامت لحمة الجرح فسدْ

تعرفوا بالمجد حتى سافرت … أخبارهم بطيبهِ وهم قعدْ

و اختلفوا لا أخطأتْ بسهمها … أمنية ٌ صوبَ نداهم تعتمدْ

و أفسدوا الدنيا على أبنائها … فما ترى مثلهمُ فيمن تلدْ

همْ ما همُ أصلا ومن فروعهم … أبلجُ أربي طارفاً على التلدْ

و فيَ بمجدِ قومهِ محمدٌ … فبرهم وربما عقَّ الولدْ

و بانَ من بينهمُ بهمة ٍ … خلة ُ كلّ سؤددٍ منها تسدّْ

تمَّ وبدرُ التمَّ بعدُ ناقصٌ … و زاد والبحرُ المحيطُ لم يزدْ

و دبر الدنيا برأي واحدٍ … يأنفُ أن يشركه فيها أحدْ

تراه وهو في الجميع واحدا … و البدرُ في حفل النجوم منفردْ

إذا استشار لم يزد بصيرة ً … و لا يلوم رأيه إذا استبدّْ

حتى لقد أصبح باتحاده … يتيمة َ الدهر وبيضة َ البلدْ

قام فنال المكرماتِ متعبا … و فاز بالراحة مخفوضٌ قعدْ

و خامَ عن حمل الحقوق معشرٌ … فلم يرعه حملها ولم يؤد

و لو درى النائمُ أيَّ قدمٍ … يحرزها الساهر لاشتاق السهدْ

و ربما برح بالعين الكرى … و كانت الراحة داءً للجسدْ

تسلمتْ من القذى أخلاقهُ … و الماءُ يقذى بالسقاء والزبدْ

و انتظم القلوبَ سلكُ وده … فما يرى من لا يحبّ ويودْ

لا رفقَ الغيظُ بقلبٍ محفظٍ … عليك إن لم يقل الشعرَ اعتقدْ

جاراك يرجو أن يكون لاحقا … سومُ السحوق فات أن يجنى َ بيدْ

ينقاد للذلة طوعَ نسبٍ … حيرانَ في الأحساب أعمى لم يقدْ

يدين بالبخل إذا سيلَ فإن … أخطأ يوما بنوالٍ لم يعدْ

مدّ بحبلِ شره فانفصمت … أسبابهُ وأنت بالخير تمدّْ

فكلما جاز مدى جاوزته … مقاربا للمجد من حيث بعدْ

بك اعتلقتُ ويدي وحشية ٌ … و ضمّ أنسي شملهُ وهو بددْ

و ارتاض مني لك خلقٌ قامصٌ … لم يدر قبلُ ما العطاءُ والصفدْ

ملكتَ قلبي شعفا فما وفى … بقدرِ وجدي بك صبري والجلدْ

حتى حواني أولا فأولا … و واحدٌ أولُ ألفٍ في العددْ

كم أيكة ٍ أنبتها جودك لي … تربُ ثراها طيبٌ والماءُ عدّْ

و كلما صوح منها غصنٌ … عاد بها جودك غضاتٍ جددْ

قد ملأتْ أوعيتي ثمارها … فقدك إن ردَّ عبابَ السيلِ قدْ

لم تبق فيَّ خلة ٌ تسدها … و إنما الخلة ُ بالمال تسدّْ

لي فيك من كلّ فقيدٍ خلفٌ … فابقَ فما يضرني منْ أفتقدْ

إذا السنانُ سلمتْ طريرة ً … علياهُ فلتمضِ الأنابيبُ قصدْ

و اضرب بسهمٍ في العلاء فائزٍ … من يدِ عمرٍ فائزٍ لا يقتصدْ

تنفضُ عنك الحادثاتُ شعبا … حيثُ التهاني حافلاتٌ تحتشدْ

كلّ صباحٍ شمسُ إقبالك في … فتوقهِ مفتنة ٌ شمسَ الأبدْ

جذلانَ بين مادحٍ وحاسدٍ … فموجباتُ المدح يوجبن الحسدْ