مِن مثلها كنتَ تخشى أيها الحَذِرُ – الشريف المرتضى

مِن مثلها كنتَ تخشى أيها الحَذِرُ … والدَّهرُ إنْ همَّ لا يُبقي ولا يَذَرُ

نعاكَ ناعٍ إلى قلبٍ كأنّ به … لواذعَ الجمر لما ساءه الخبرُ

فلم يكن ليَ إلاّ أن أقول له … بفيكَ ناعيَ هذا الراحلِ الحجرُ

كم ذا نداءٍ لماضٍ غيرِ مُلتفتٍ … وكم عتابٍ لجانٍ ليس يعتذرُ

فكلما استلّ منا صاحبٌ فمضى … و لا إيابَ له قالوا هو القدرُ

و ليس يدري الفتى لمْ طالَ عمرُ فتى ً … ولا لأيَّة ِ حالٍ يُنقَصُ العُمُرُ 

وقد طَلبنا فلا نُجحٌ ولا ظَفَرٌ … و قد هربنا فلا منجى ً ولا عصرُ

و هذه عبرٌ لا شكّ مالئة ٌ … منا العيونَ ولكنْ أين معتبرُ ؟

نعلُّ من كلَّ مكروهٍ ويملكنا … حبُّ الحياة ِ الّتي أيّامُها غَرَرُ

وما التزامُ المنى والمرءُ رهنُ ردى ً … إلاّ جنونٌ يغول العقلَ أو سكرُ

يا قاتلَ الله هذا الدهرَ يزرعنا … ثمّ الحصادُ فمنه النَّفعُ والضّرَرُ

فإن يكن معطياً شيئاً فمرتجع … وَ إنْ يكن مبطئاً يوماً فمبتدرُ

داءٌ عرا آل قحطانٍ فزال بهمْ … و ذاق منه نزارٌ واحتسى مضرُ

من بعد أن لبسوا التيجان واعتصموا … و أركبوا ثبجَ الأعواد واشتهروا

وأَوسعو النّاسَ من رَغْبٍ ومن رَهَبٍ … وعاقبوا باجترامِ الذَّنبِ واغتفروا

تندى مفارقهمْ مسكاً فإنْ جهلوا … نمَّتْ عليهمْ بريَّا نشرِها الأُزُرُ

ويسحبون ذيولَ الرَّيْطِ ضامنة ً … أنْ ليس تُسحَبُ إلاّ منهمُ الحِبَرُ

قالوا: قضَى غيرَ ذي ضَعفٍ ولا كِبَرٍ … فقلت : ما كلُّ أسبابِ الردى كبرُ

وغَرَّني فيكَ بُرْءٌ بعدَ طولِ ضَنى ً … و منْ يبتْ خطراً أودى به خطرُ

ما ضرّ فقدك والأيامُ شاهدة ٌ … بأنَّ فضلكَ فيها الأنجُمُ الزُّهُرُ

أغنيت في الأرض والأقوام كلهمُ … منَ المحاسنِ مالم يُغنِه المَطَرُ

فأنتَ شمسُ الضُّحى للسَّاربينَ وللـ … ـسارينَ في جُنحِ ليلٍ ضوءُك القمرُ

إن تمسِ موتاً بلا سمعٍ ولا بصرٍ … فطالما كنتَ أنتَ السمعُ والبصرُ

وإنْ تَبِتْ حَصِراً عن قولِ فاضلة ٍ … فطالما لم يكنْ من دَأْبك الحَصَرُ

قالوا: اصطبرْ عنه بأساً أو مُجاملة ً … والصَّبرُ يُلعَقُ من أثنائهِ الصَّبِرُ

ولو دَرى مَن على حُزنٍ يقرِّعني … بمن فُجعتُ ومن خُوِّلتُه عَذَروا

وكيفَ أَسلو ومافي غيرهِ عِوَضٌ … من الرجال ولا لي عنه مصطبرُ ؟

وكيفَ لي بعدَه مَيْلٌ إلى وَطَرٍ … و ليس لي أبداً في غيره وطرُ ؟

مُجاوراً دارَ قومٍ ليس جارُهُمُ … بنصرِهمْ أبَدَ الأيّامِ ينتصرُ

في أربُعٍ كلَّما زادوا بها نَقَصوا … نقصَ الفناءِ وقلوا كلما كثروا

فاذهبْ كما شاءتِ الأقدارُ مقتلعاً … منّا بهِ الخوفُ مجنوناً به الحَذَرُ

فللقلوبِ الَّتي أبهجْتَها حَزَنٌ … ” وبالعيون ” التي أقررتها سهرُ

وما لعيشٍ وقد ودَّعْتَه أَرَجٌ … ولا لِلَيلٍ وقد فارقتَه سَحَرُ

وما لنا بعدَ أن أضحتْ مطالعُنا … مسلوبة ً منك أوضاحٌ ولا غررُ