مللنا وما مل العدو المغاضب – أحمد محرم
مللنا وما مل العدو المغاضب … ولنا وما لان الزمان المشاغب
يعاجلنا ما لا نريد من الأذى … ويبطئ من آمالنا ما نراقب
حملنا قلوباً يعصف الدهر حولها … وتهفو بها أحداثه والنوائب
نريد سبيل الأمن والأرض كلها … مشارقها مذعورة ٌ والمغارب
تثور شعور العالمين وينطوي … على الذل شعبٌ في السكينة راغب
رمينا بأقوامٍ مراضٍ قلوبهم … يسوموننا ما لا يسام المحارب
فلا الدم ممنوعٌ ولا العرض سالمٌ … ولا العسف محظورٌ ولا الرفق واجب
يقاد إلى الهيجاء من لا يريدها … فيمشي إليها وهو طيان ساغب
أطاع العدى لا أنه خان قومه … ولكنما ضاقت عليه المذاهب
همو سلبوه المال والآل واحتووا … من الحب والأنعام ما هو كاسب
فأصبح لا يدري أفي الأرض مذهبٌ … أم انطبقت أطرافها والمناكب
تطوع يلقى الموت لا من شجاعة ٍ … ولكنه من خيفة الموت هارب
رماه من الجوع المبرح مقنبٌ … تدين له الهيجا وتعنو المقانب
إذا كر لاقته الأسنة خضعاً … وجاءته في زي العصي القواضب
وإن بلاداً سامها الضيم أهلها … لأجدر أن يقضي عليها الأجانب
يصيبون منها كل يومٍ فريسة ً … تمزقها أنيابهم والمخالب
أسودٌ على المستضعفين ثعالبٌ … تروغ إذا هب القوي الموائب
سئمنا حياة الذل والذل مركبٌ … يساير فيه الموت من هو راكب
نريد فيأبى الظالمون ونشتكي … فيحجبنا منهم عن العدل حاجب
دهانا من الأقوام ما لو دها الصفا … لفاضت دماً عن جانبيه المذانب
ولو أن بالشم الشوامخ ما بنا … لما ثبتت منها الذرى والجوانب
أما تحسن الأيام صنعاً بأمة ٍ … أساءت بها الصنع الليالي الذواهب
صبرنا وهذا منتهى الصبر كله … فأين أمانينا وأين المآرب
فلا مجد للأوطان حتى يزورها … كتائب تزجيها لقومي كتائب
إيهٍ بني مصر جاز الأمر غايته … وذاع سر الليالي بعد كتمان
دعوا اللجاج وسدوا كل منفرجٍ … وأجمعوا الرأي من شيبٍ وشبان
هل تحملون لمصرٍ في جوانحكم … إلا براكين أحقادٍ وأضغان
يطغى السباب حواليها ليطفئها … وما يزيد لظاها غير طغيان
يا قومنا هل رأيتم قبل محنتكم … من قام يطفئ نيراناً بنيران
من لي بكل حثيث المد مطردٍ … وكل مندفق الشؤبوب هتان
لو عظموا حرمات النيل ما اضطرمت … أحقاد قلبٍ بماء النيل ريان
لا مطلب اليوم إلا الحق نكبره … عن أن يهون وأن يرمى بنقصان
قالوا خذوه نجوماً فهو مدخرٌ … في مخلب الليث يحميه لإبان
الله أكبر جد اللاعبون بنا … وأعمل الذم فينا كل طعان
أما يرون بوادينا سوى نعمٍ … ولا يصيبون منا غير قطعان
سيكشف الجد عنهم كل غاشية ٍ … ويوقظ الحق منهم كل وسنان
ضموا القلوب شباب النيل واعتزموا … لا يشمتن بكم ذو البغضة الشاني
ظن الظنون بكم من ليس يعرفكم … والأمر ذو صورٍ شتى وألوان
أين العقول بنور الله مشرقة ً … أين الذخائر من علمٍ وعرفان
أين الضمائر والأخلاق طاهرة ً … أين المواقف تشفي كل حران
مصر الفتية إن هاجت حميتكم … كنتم لها خير أنصارٍ وأعوان
الهادمون كثيرٌ بين أظهركم … شدوا البناء وصونوا حرمة الباني
أما تسيل نفوسٌ ريع جانبها … على جوانب تبكيه وأركان
مد اليمين إليكم يستغيث بكم … هبوا سراعاً ومدوه بأيمان
أإن طوى العيش آثرتم لأنفسكم … ما آثر اليوم من قبرٍ وأكفان
أعيذكم من وفاءٍ راح ينكره … ما في الجوانح من صبرٍ وسلوان
خذوا السبيل إلى العلياء واستبقوا … للمجد في كل مستن وميدان
أدعوة الحق أولى أن يصاخ لها … أم دعوة ٌ خرجت من جوف شيطان
اليوم آذن بالآيات مرسلها … ماذا ترجون منه بعد إيذان
إن تعلق اليوم بالأعناق بيعته … يعلق بكل وريدٍ ناب ثعبان
لو كنت حاشاي ممن راح يحملها … طارت بها الريح فوضى منذ أزمان
ترب الإساءة لم يحمل لأمته … غير العقوق ولم يهمم بإحسان
جم الأراجيح للأقوام ينصبها … يظن أحلامهم أحلام صبيان
من يغلب الله أو يرمي خلائفه … في العالمين بكيدٍ أو بخذلان
الرافعين لواء الحق مذ عرفوا … من كل راضٍ لوجه الله غضبان
المانعين حمى مصرٍ إذا فزعت … واستصرخت من بنيها كل غيران
من كل متلف مالٍ غير ذي أسفٍ … وكل باذل نفسٍ غير منان
عزت بهم أمة ٌ عزت بما ملكت … في قوة الحق من عزٍ وسلطان
نأبى المناصب إلا في جوانحها … ينصها كل ذي لبٍ ووجدان
ونزدري المال إلا أن تفيض به … دقات قلبٍ بنجوى الحب رنان
قياصر الحق نستولي على سررٍ … من الجلال ونستعلي بتيجان
لا نبتغي غير دنيا الأنبياء ولا … نرضى سوى الله من ربٍ لنا ثان
لنا على كل قومٍ يوزنون بنا … ملء الموازين من فضلٍ ورجحان
لم يؤثر الخطة المثلى طواعية ً … لله من راح يرمينا بعصيان
ردوا المغير حماة الحي واحترسوا … إن السراحين تخشى كل يقظان
ولك ضيعة غالٍ حادثٌ جللٌ … ولا كضيعة أقوامٍ وأوطان
جدوا إلى الغاية القصوى ولا تهنوا … إن الرجال أولو جدٍ وإمعان
دعوا المضاجع إن الرابضين لكم … ملء المراصد من إنسٍ وجنان
لا يسكنون إذا نفس امرئٍ سكنت … ولا يمر الكرى منهم بأجفان
إن يبصروا غرة ً لا يجدلكم فزعٌ … هل يرجع الأمر أعيا بعد إمكان
الله من حولكم يحمي جوانبكم … فجاهدوا لا تخافوا كيد إنسان