مقسّم الخاطر ولهانه – ابن نباتة المصري

مقسّم الخاطر ولهانه … مخبرٌ عن شانه شانه

تكلمت مهجته بالأسى … وعبرت بالحال أجفانه

بالروح أفدي أغيداً قد بدا … يخطّ فوق الخدّ ريحانه

عادٍ على نوم الورى ناهبٌ … وهو ثقيل الجفن وسنانه

يحمي شقيق الروض في خده … وبالقنا يحجب نعمانه

واهاً له خداً حكى جنة … وخاله الأسود جناته

أضحى معاذاً من سلوي فما … يزال يضني القلب فتاته

يا واعداً من بعده بالردى … يكفي من الواعد هجرانه

تجنى بساتين البرايا وقد … جتى على رآئيك بستانه

و عاذل مقلته لا ترى … والصبّ لا تسمع آذانه

يجهل جهل الثور في عذله … فخله يطلق فدانه

ما أكتم القلب لتبريحه … وقد توارت منه نيرانه

قلمبت يا قلبي زنداً فما … يضره للنار كتمانه

ان كان حزني من رضاها جرى … فمن سرور القلب أحزانه

و جيرة في القلب أسكنتهم … فارتحل البيت وسكانه

و أصبح المغرم قد فاته … مكانه منهم وإمكانه

اذا دعا خادم شجو إلى … دمعٍ جرى في الحال مرجانه

فقلبه في مصر مستودعٌ … وفي أقاصي الشام جثمانه

أغصه النيل بدمع الأسى … ومررت ذكراه حلوانه

و شيبت أيدي النوى شعره … وشاقه الدير وشعرانه

حيث الصبا تركض أفراسه … وتقنص الآرام فرسانه

من كل ريم قد تشوقته … من قبل أن تشتاق أوطانه

أبداه بالذكر فأعجب لمن … يبدأ بالساكن بنيانه

لمنطق من ذكره حسنه … ومن علاء الدين إحسانه

أنا أمير الشعر في وصف ذا … ومدح ذا رتب ديوانه

فازت يدا من بعلي الندى … تعلق يمناه وأيمانه

ذو السر والبر فيا حبذا … أسراره الطهر وإعلانه

و المرتقي علياء يعشو إلى … كتابه في الأوج كيوانه

و رتبة في الافق قد رجحت … من قبل أن يرصد ميزانه

للدين والدنيا عليه سناً … يعرب عن فحواه عنوانه

فحبذا لمادحيه الندى … وأنعمُ الله ورضوانه

الشعر فيه ملك قابل … وقابل في الغير شيطانه

لوعده من كرم ذكره … حتى اذا وفى فنسيانه

كأنما البحر له راحة … وهذه الأنهر خلجانه

كأنما ألفاظه روضة ٌ … وهذه الأطراس غدرانه

زهت رياض الملك من حين ما … هزّت من الأقلام أغصانه

و طوق الخلق بإنعامه … فرجعت بالحمد ألحانه

لطائف البيت الذي لم يزل … لطائف الآمال أركانه

كل امرئ سلمانه بالولا … وكل مهدي المدح حسانه

من معشرٍ هم في الندى سحبه … وفي ظلام الخطب شهبانه

إلى فتى الخطاب ساميهم … تفننُ الفضل وأفنانه

من عمر نور التقى والعلى … إلى عليّ آل برهانه

فأنت ذو النورين من ذا وذا … عليه أم أنت عثمانه

يا شائد البيت النظيم الذي … على التقى أسس بنيانه

يا صاحب اللفظ فريداً به … فهو على الحالين سحبانه

يا راشق الرأي السديد الذي … أنفذه بالسعد سلطانه

ياذا اليراع المجتلي بارقاً … وفي فجاج الأرض هتانه

مجانس يحيى العلى والردى … خطابه الحلو وخطبانه

في يدك البيضاء يوم الوغى … يلتقم الأهوال ثعبانه

و في الندى يا نوح عمر العلى … يلتهم الأموال طوفانه

كالذابل الخطي لكنه … في البر أو في الخصب ريانه

ما لبس من لاقاه يوم الوغى … دروعه بل هي أكفانه

لو لم ينبه جفنه كالئاً … ما غمضت للسيف أجفانه

لو لم يحرر قوله مفصحاً … ما صممت في الروع خرسانه

لو لم يصغ جوهر إدراجه … ما أزهرت بالمدح تيجانه

يا صاحب الهيبة ألية … حيث الرجا تفهق غدرانه

يا صاحب الرأفة والعطف لا … نسيم نعمانٍ ولا بانه

يا سيدي دعوة ذي حالة … أحالها الدهر وعدوانه

تفليسه في الشام بعد الغنى … يقضي بأن القلب حرّانه

فارق أولاداً وأهلاً وما … تحملت للبين أظعانه

ذو الفقر في أوطانه نأيه … وذو الغنى في النأي أوطانه

ضاق به إلا اليك الفضا … وحثه حاشاك حرمانه

فالدهر لونٌ واحدٌ عنده … طراً وعند الناس ألوانه

سقياك يا من في يدي فضله … سيحان داعيه وجيحانه

و دونك الأجر الذي قبله … سريع هذا الفضل عجلانه

هذا وذا البحر أتى دره … وجاء للمعدن عقبانه