مجاهد – إيليا أبو ماضي
قالوا قضى ” موسى ” فقلت قد انطوى … علم و أغمد صارم بتّار
فتوشّت صور المنى و تناثرت … كالزّهر بدّد شملها الإعصار
و كأنّما وتر الردى كلّ امريء … لمّا تولّى ذلك الجبّار
جزعت لمصرعه البلاد كأنّما … قد غاب عنها جحفل جرّار
و بكت ” فلسطين ” به قيدومها … إنّ الرزايا بالكبار كبار
لمّا نعوه نعوا إلينا سيّدا … شرفت خلائقه و طاب نجار
لبس الصّبا و نضاه غير مدنّس … كالنجم لم تعلق به الأوضار
و مشى المشيب برأسه فإذا به … كالحقل فيه الزهر و الأثمار
و تطاولت أعوامه ، فإذا به … كالطود فيه صلابة ووقار
ترتدّ عنه العاصفات كليلة … ويزلّ عنه العارض المدرارا
أوذي فلم يجزع ، وضيم فلم يهن … إنّ الكريم على الأذى صبّار
صقلت مكافحة الشدائد نفسه … و الروض تجلو حسنة الأمطار
فله من الشيخ الأصالة ، و الفتى … إقدامه ، إذ للفتى أوطار
يتهيّب الفجّار صدق يقينه … و برأيه يسترشد الأحرار
ما زال يزأر دون ذيّاك الحمى … كاللّيث ريع فما له استقرار
و يجشّم النفس المخاطر هادئا … كيلا تلمّ بقومه الأخطار
حتى استقرّ به الردى في حفرة … و خلا ، لغير جواده ، المضمار
فاعجب لمن ملأ المسامح ذكره … تطويه في عرض الثرى أشبار
أيّار مذكور بحسن صنيعه … ولئن تولّى وانقضى أيّار
فاخدم بلادك مثل ” موسى كاظم ” … تسبغ عليك ثناءها الأمصار
إنّ السنين كقليلها … إن لم تزن صفحاتها الآثار
فاصرف عنانك في الشباب إلى العلى … برد الشبيبة كالجمال معار
لا تقعدنّ عن الجهاد إلى غد … فلقد يجيء غد و أنت غبار
ماذا يفيدك أن يكون لك الثرى … و لغيرك الآصال و الأسحار
من ليس يفتح للنهار جفونه … هيهات يكحل مقلتيه نهار
واحبب بلادك مثل ” موسى كاظم ” … حبّا به الإخلاص و الإيثار
تضفر لرأسك من أزاهرها الربى … تاجا ، و تهتف باسمك الأغوار
إيّاك ترمقها بمقلة تاجر … إن اتّجارك بالمواطن عار
ودع المنافق لا تثق بعهوده … وطن المنافق فضّة و نضار
مترجرج الأخلاق ، أصدق وعده … آل ، و خير هباته الأعذار
يدنو إليك بوجهه متودّدا … و فؤاده بك هازيء سخّار
هو حين يجري مع هواه خائن … و إذا سمت أخلاقه سمسار
كم معشر خلناهم أنصارنا … فإذا هم لعداتنا أنصار
رقد العدى فتحمّسوا ، حتى إذا … جدّ الوغى ركبوا العقاب و طاروا
شرّ لمن الخصم اللّدود على الفتى … ألصاحب المتذبذب الخوّار
وحذار أشراك السياسة إنّها … بنت أبوها الزئبق الفرّار
فيها من الرقطاء ناقع سمّها … و لها نيوب الذئب و الأظفار
ترد المناهل و هي ماء سائغ … و تعود عنها و المناهل نار
ألكذب و التمويه خير صفاتها … و شعارها أن لا يدوم شعار
لا تطلبنّ من السياسة رحمة … هي حيث طلّ دم و حلّ دمار
ألصيد غيرك إن سهرت ، فإن تنم … فالصيد أنت و لحمك المختار
يا قومنا .. إنّ العدوّ ببابكم … بئس المغير على البلاد الجار
و له بأرضكم طماعة أشعب … و رواغه ، و لكيده استمرار
لا ترقدوا عنه فليس براقد … أفتهجعون و قد طمى التيّار ؟
إنّ الطيور تذود عن أوكارها … أتكون أعقل منكم الأطيار ؟
سيروا على آثار موسى و اعملوا … إن شئتم أن لا تضيع ديار
زوروا ثراه قوّة … منه فكم أحيا الهوى التذكار
قبر يفوح الطيب من جنباته … قبر الكريم خميلة معطار
فإذا تمرّ عليه يوما نسمة … أرجت كأنّ حجارة أزهار