متى يذكر الوطن النوم – إيليا أبو ماضي
جلست وقد هجع الغافلون … أنكر في أمسنا والغد
وكيف استبدّ بنا الظالمون … وجاروا على الشيخ والأمرد
فخلت اللواعج بين الجفون … وأنّ جهنم في مرقدي
وضاق الفؤاد بما يكتم … فأرسلت العين مدرارها
ذكرت الحروب وويلاتها … وما صنع السيف والمدفع
وكيف تجور على ذاتها … شعوب لها الرتبة الأرفع
وتخضب بالدم راياتها … وكانت تذمّ الذي تصنع
فباتت بما تهدم … صروح العلوم وأسرارها
نساء تجود بأولادها … على الموت، والموت لا يرحم
وجند تجود بأكبادها … على الأرض ، والأرض لا تعلم
وتغدو الطيور بأجسادها … فإن عطشت فالشراب الدم
وفي كلّ منزلة مأتم … تشقّ بها الغد أزرارها
لقد شبع الذئب والأجدل … وأقفرت الدور والأربع
فكم يقتل الجحفل … ويفتك بالأروع الأروع
ولن يرجع القتل من قتلوا … ولن يستعيد الذي ضيعوا
فبئس الألى بالوغى علموا … وبئس الألى أجّجوا نارها
أمن أجل أن يسلم الواحد … تطلّ الدماء وتفنى الألوف؟
ويزرع أولاده الولد … لتحصدهم شفرات السيوف؟
أمور يحار بها الناقد … وتدمي فؤاد اللبيب الحصيف
فيا ليت شعري متى يفهم … معاني الحياة وأسرارها
وحوّلت طرفي إلى المشرق … كما جتمعت حول نفسي الغموم
فأسندت رأسي إلى مرفقي … وقلت ، وقد غلبتني الهموم
بربك، أيتها الأنجم … متى تضع الحرب أوزارها؟
كما يقتل الطير في الجنة … ويقتنص الظبي في السبب
كذلك يجنى على أمتي … بلا سبب وبلا موجب
فحتام تؤخذ بالقوة … ويقتصّ منها ، ولم تذنب؟
وكم تستكين وتستسلم … وقد بلغ السيل زنارّها
وسيقت إلى النّطع سوق الغنم … مغاورها ورجال الأدب
وكل امرئ لم يمت بالخذم … فقد قتلوه بسيف السغب
فما حرّك الضيم فيها الشمم … ولا رؤية الدم فيها الغضب
تبدّلت الناس والأنجم … ولما تبدّل أطوارها
أرى الليث يدفع عن غيضته … بأنيابه وبأظفاره
ويجتمع النمل في قريته … إذا خشيء الغدر من جاره
ويخشى الهزار على وكنته … فيدفع عنها بمنقاره
فلا الكاسرات ولا الضيغم … ولا الشاة تمدح جزّارها
عجبت من الضاحك اللاعب … وأهلوه بين القنا والسيوف
يبيتون في وجل ناصب … فإن نصبوا ألجئوا للكهوف
وممن يصفقّ للضارب … وأحبابه يجرعون الحتوف
متى يذكر الوطن النّوم … كما تذكر الطير أوكارها؟