ما لي بودك بعدَ اليومِ إلمامُ – محمود سامي البارودي

ما لي بودك بعدَ اليومِ إلمامُ … فاذهبْ ؛ فأنتَ لئيمُ العهدِ نمامُ

قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُنِي أَدْرَكْتُ مَأْرُبَة ً … مِنَ الْمُنَى ، فَإِذَا ما خِلْتُ أَحْلاَمُ

هَيْهَاتَ مِنِّي الرِّضَا مِنْ بَعْدِ تَجْرِبَة ٍ … إِنَّ الْمَوَدَّة َ بَينَ النَّاسِ أَقْسَامُ

فَاطْلُبْ لِنَفْسِكَ غَيْرِي؛ إِنَّنِي رَجُلٌ … يأبى لي الغدرَ أخوالٌ وأعمامُ

كلُّ امرئٍ تابعٌ أعراقَ نبعتهِ … وَ الخيرُ وَ الشرُّ أنسابٌ وَ أرحامُ

فانظرْ لفعلِ الفتى تعرفْ مناسبهُ … إنَّ الفعالَ لأصلِ المرءِ إعلامُ

و لاَ يغرنكَ وجهٌ راقَ منظرهُ … فالنصلُ فيهِ المنايا وَ هوَ بسامُ

ما كلُّ ذي منسرٍ فتخاءَ كاسرة ً … كَلاَّ، ولاَ كُلُّ ذِي نَابَيْنِ ضِرْغَامُ

فَإِنْ يَكُنْ غرَّنِي حِلْمِي فَلاَ عَجَبٌ … إنَّ الحسامَ لينبو وَ هوَ صمصامُ

ظَنَنْتُ خَيْراً، وَلَمْ أُدْرِكْ عَوَاقِبهُ … فَكَان شرّاً. وَبَعْضُ الظَّنِّ آثامُ

فيا لها ضلة ً ما إنْ أبهتُ لها … حَتَّى تَرَدَّتْ بِها فِي الشَّرِّ أَقْدَامُ

آلَيْت أَكْذِبُ نَفْسِي بَعْدَهَا سفَهاً … إِنَّ الْمُنَى عِنْدَ صِدْقِ النَّفْسِ أَوْهَامُ

فيا بنَ تزدريهِ النفسُ منْ ضعة ٍ … فما يحسُّ لهُ وجدٌ وَ إعدامُ

دَعِ الْفَخَارَ، وَخُذْ فِيما خُلِقْتَ لَهُ … منَ الصغارِ ؛ فإنَّ الطبعَ إلزامُ

وَ اذكرْ مكانك منْ ” عباسَ ” حيثُ مضتْ … عليكَ في الدارِ أعوامٌ وَ أعوامُ

تَبِيتُ مُرْتَفِعاً فِي ظلِّ دَسْكَرة ٍ … لكلَّ باغٍ بها وجدٌ وَ تهيامُ

وَفَوْقَ ظَهْرِكَ لِلأَنْفَاسِ مُعْتَرَكٌ … وفِي حَشَاكَ لِنَارِ الْفِسْقِ إِضْرامُ

وَيْلُمِّهَا خَزْيَة ً طارَتْ بِشُنْعتِها … صَحَائِفٌ، وجَرَتْ بِالذَّمِّ أَقَلاَمُ

فاخسأْ ؛ فما الكلبُ أدنى منكَ منزلة ً … وَ«اخْسَأْ» لِمِثْلِكَ إِعْزَازٌ وَإِكْرَامُ

هذا الذي تكرهُ الأبصارُ طلعتهُ … فَحَظُّها مِنْهُ إِيذَاءٌ وَإِيلاَمُ

فِي وَجْهِهِ سِمَة ٌ لِلْغَدْرِ بيِّنَة ٌ … و بينَ جنبيهِ أحقادٌ وَ أوغامُ

لهُ على الشرَّ إقدامٌ ، وَ ليسَ لهُ … إِلاّ عَن الْخَيْرِ وَالْمعْرُوفِ إِحْجامُ

كأنما أنفهُ منْ طولِ سجدتهِ … في حانة ِ اللهوِ حرفٌ فيهِ إدغامُ

كَعقْرَبِ الْمَاءِ يَمْشِي مَشْيَة ً صدَداً … فَخَلْفُهُ عِنْدَ جِدِّ الأَمْرِ إِقْدَامُ

أبدى بعاتقهِ المنديلُ سيمتهُ … وَحتَّ موْضِعهُ مِنْ كَفِّهِ الْجَامُ

وَكَيْفَ يصْلُحُ أَمْرُ النَّاسِ فِي بَلَدٍ … حُكَّامُهُ لِبناتِ اللَّهْوِ خُدَّامُ؟

قَدْ يَمَّمَتْهُ الْمَخَازِي؛ فَهْيَ نَازِلَة ٌ … منهُ بحيثُ تلاقي اللؤمُ وَ الذامُ

مَا إِنْ أَصَبْتُ لَهُ خُلْقاً، فَأَحْمَدَهُ … فَكُلُّ أَخْلاَقِهِ لِلنَّفْسِ آلاَمُ

فظٌّ ، غليظٌ ، مقيتٌ ، ساقطٌ ، وَ جمٌ … وَغْدٌ، لَئِيمٌ، ثَقِيلُ الظِّلِّ، حَجَّامُ

جاءتْ بهِ عجزٌ ليستْ بطاهرة ٍ … لها بمدرجة ِ الفحشاءِ أزلامُ

مستيقظٌ للمخازي ، غيرَ أنَّ لهُ … طَرْفاً عَنِ الْعِرْضِ وَالأَوْتَارِ نَوَّامُ

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ مِنْ عَدَاوتِهِ … فَإِنَّهَا لِجَلاَلِ اللَّهِ إِعْظامُ

فاذهبْ كما ذهبَ الطاعونُ منْ بلدٍ … تَقْفُوهُ بِاللَّعْنِ أَرْوَاحٌ وَأَجْسَامُ

وَهَاكَ مَا أَنْتَ أَهْلٌ فِي الْهِجَاءِ لَهُ … فالهجوُ فيكَ لنقضِ الحقَّ إبرامُ

منْ كلَّ قافية ٍ في الأرضِ سائرة ٍ … لها بعرضكَ إنجادٌ وَ إتهامُ

شعرٌ لوجهِ المخازي منهُ سافية ٌ … يحاصبٍ ، وَ لأنفِ الجهل إرغامُ

تَبْلَى الْعِظَامُ، وَيَبْقَى ذِكْرُهُ أَبَداً … في كلَّ عصرٍ لهُ سجعٌ وَ ترنامُ

كلمات: فهد بن غانم آل ثاني

ألحان: طلال مداح