ما كان يومك يا أبا إسحاقِ – الشريف المرتضى

ما كان يومك يا أبا إسحاقِ … إلاّ وداعى للمنى وفراقى

وأشدَّ ماكانَ الفراقُ على الفتى … ماكانَ موصولاً بغيرِ تلاقِ

ولقد أتانى من مصابك طارقٌ … لكنَّهُ ما كانَ كالطرَّاقِ

فالنّارُ يوقدُها الأسَى في أضلُعي … لا للصِّلى والماءُ من آماقي

ما كان للعينين قبلك بالبكا … عهدٌ ولا الجَنْبينِ بالإقلاقِ

وأطقتُ حملَ النّائباتِ ولم يكنْ … ثِقْلٌ برُزئِك بيننا بمطاقِ

لولا حمامك ما اهتدى همٌّ إلى … قلبي ولا نارٌ إلى إحراقي

وسلبتُ منك أجلَّ شطرى ْ عيشتى … وفجعتُ منك بأنفسِ الأعلاقِ

وقذيتُ فى قلبى بفقدك والقذى … فى القلبِ ينسينا قذاة َ الماقِ

لمّا رأيتُك فوقَ صهوة ِ شَرْجَعٍ … بيدٍ المنايا أظلمتْ آفاقي

وكأنَّني من بعدِ ثُكلك ذُو يدٍ … جذّاءَ أو غصنٌ بلا أوراقِ

أو راكبٌ فى القفر دفّى ْ جسرة ٍ … غرثى بلا شثٍّ ولا طبّاقِ

إنِّي عليك لما ذهبتَ لموجَعٌ … وإليك لمّا غبتَ بالأشواقِ

يا نافعى والجلدُ منّى ضيّقٌ … برزِيَّتي أَلاَّ يَضيقَ نِطاقي

كم من ليالٍ لى قصارٍ بعده … طُوِّلْنَ بالإٍيجاعِ والإيراقِ

ولو افتُدِيتَ فداكَ بادرة َ الرَّدى الْـ … ـأقوامُ بالمهجاتِ والأحداقِ

وبكلِّ مُمتلىء الضُّلوعِ بسالة ً … هادٍ إلى طرقِ الهدى سبّاقِ

تهمى دماً من كفّه سحبُ الوغى … من غيرِ إرعادٍ ولا إِبراقِ

وتراه يهوى فى التّراب إلى ظباً … مسلولة ٍ وإلى ظهورِ عتاقِ

وإلى سِنانٍ فوقَ هامة ِ ذابلٍ … هتّاكِ كلِّ تربية ٍ خرّاقِ

أينَ الرِّجالُ المالكو رِبَقِ الورَى … والمُرْتقون إلى أعزِّ مراقِ 

والطّاردون بجودهمْ وعطائهمْ … فى المملقين عوادى َ الإملاقِ

ولهمْ أكفٌّ ما تولّتْ وحدها … فى النّاسِ إلاّ قسمة َ الأرزاقِ

وإذا همُ لبسوا المحاسنَ أهونوا … ـآدابِ من أهلي وبالأخلاقِ

سِيقوا إلى حُفَرِ القَواءِ كأنَّهمْ … ذَوْدٌ تُصرِّفُه يدا سَوّاقِ

وتطارحوا في قعر مظلمة ِ الهُوَى … محجوبة ِ الإصباحِ والإشراقِ

واستنزلوا عن كلّ شاهقة ِ البنا … من حيث لا ترقى أخامصُ راقِ

فهمُ وقد كان الفضاءَ محلّهمْ … ما بين أطباقٍ وفى أعماقِ

ماذا الغرورُ من الزّمان بكاذبٍ … نَغْلِ المودَّة ِ في الهوى مَلاَّقِ 

فى كلّ يومٍ ينثنى عنه الّذى … يرجوه مملوءًا من الإخفاقِ

وإذا مددتُ إِلى الزَّمانِ أنامِلي … وشَددتُ في أسْرِ الطِّماعِ وَثاقي

فالأمرُ موكولٌ إلى متجرّمٍ … والعظمُ مرمى ٌّ إلى عرّاقِ

ما إنْ وَنَتْ سَكَناتُ قلبك بُرهة ً … فيه بساعة ِ جأشِك الخفّاقِ

ومنَ البليَّة ِ أنَّنا كَلِفون مِنْ … هذي الحياة ِ بمِنْكَحٍ مِطْلاقِ

فى كلّ يومٍ نرتوى من شرّها … مائين من حَذَرٍ ومن إشفاقِ

وأنا الأسيرُ لها فمن هذا الذي … يسعى إلى الأيَّامِ في إطلاقي 

ومودَّة ٌ بينَ الرّجالِ تضمُّهمْ … وتلفُّهمْ خيرٌ منَ الأعراقِ

مَن ذا نَضا عنّا شعارَ جمالنا … ورمى هلالَ سمائنا بمحاقِ ؟

من ذا لوانا والصّدا علقٌ بنا … عن وردِ ذاك المنهلِ الرّقراقِ ؟

فلئنْ خرِستَ عن البيانِ فطالما … حكّمتَ أنّى شئتَ بالإنطاقِ

ولئنْ منعت عن البراحِ فبعد ما … جوَّلتَ أو طوَّفتَ في الآفاقِ

ولئنْ كبوتَ عن المدا بعد الرّدى … فيما سبقت غداة يوم سباق

ولئنْ تحمَّلْتَ التّرابَ فطالما … قد كنتَ محمولاً على الأعناقِ

فليمضِ بعدك من أحبُّ فقد مضى … منك الحمامُ ببغيتى ووفاقى

مالي انتفاعٌ بعدَ فقدِك صاحباً … حلوَ المذاقة ِ فى الورى بمذاقِ

نسجتْ عليك رياضُ كلِّ بلاغة ٍ … وسقاك منها ما تشاءُ السَّاقي

وعصتْ على كلِّ الرِّجالِ فقُدْتَها … لرضاك بالأرسانِ والأرباقِ

وملكتَها طولَ الزَّمانِ وإنَّما … فازتْ وقد ووريتَ بالإعتاقِ

طلبوا مداك ففتَّهمْ وسبقتَهمْ … رَكْضاً ولم تَسمحْ لهمْ بلِحاقِ

فالآن بعد اليأسِ منها أيقنوا … أنّ البلاغة َ فى يدِ الرزّاقِ

ولْيسقِ قبرَك كلُّ مُنخرقِ الكُلَى … مرعادُ كلّ عشيّة ٍ مبراقِ

فإذا جفا التّربَ السحابُ فعنده … ما اخترتَ من سحٍّ ومن إطباقِ

لم يفنِ دهرٌ من نأى وله بنا … كلمٌ على مرّ الزّمان بواقِ

وإذا مضيتَ وفيك فضلٌ باهرٌ … فمنْ نسلتَ فأنتَ حى ٌّ باقِ