ليتهم عرفوه – إيليا أبو ماضي
يا نفس قد ذهب الرفيق الألمعي … فتجلّدي لفراقه أو فاجزعي
هذي النهاية ، لا نهاية غيرها، … للحي إن يسرع وإن لم يسرع
للموت من ملك البسيطة كلّها … أو حاز من دنياه بضعة أذرع
فازرع طريقك بالورود وبالسنا … لا يحصد الإنسان إن لم يزرع
واعمل لكي تمضي وتبقى رقة … في مبسم ، أو نغمة في مسمع
أو صورة مثل الربيع جميلة … في خاطر أو ناظر مستمتع
يا صحب يعقوب ، ويا عشراءه … من منكمو أبكي ولا يبكي معي
إنّا تساوينا فبين ضلوعكم … نار ومثل سعيرها في أضلعي
لبنان، هذا من روضك زهرة … ذهبت كأن في الأرض لم تتضوّع
لبنان هذا من سمائك كوكب … غرّبته حتى انطوى في بلقع
لبنان هذا من مروجك قطعة … فيه بشاشة كلّ مرج ممرع
قل للبنفسج في سفوحك والرّبى … ولّي شبيهك في الوداعة فاخشع
وأمر طيورك أن تنوح على فتى … قد كان يهواها وإن لم تسجع
قد عاش مثلك للمروءة والعلى … متعفّفا كالزاهد المتورّع
مترفّعا في قوله وفعاله … عمّن غوى وهوى ولم يترفّع
كم حرّضته النفس في نزواتها … ليكون صاحب حيلة أو مطمع
فأجابها: يا نفس لا تتوّرطي … صدأ النفوس هي المطامع فاقتعي
ليس المحارب في الوغى بأشدّ بأسا … من محارب نفسه أو أشحع
يا صاحبي أضنيت جسمك فاسترح … وأطلت ، يا يعقوب، سهدك فاهجع
حدّثت قومك حقبة فتسمّعوا … والآن دور حديثهم فتسّع
هجروا الكلام إلى الدموع لأنّهم … وجدوا البلاغة كلّها في الأدمع
كيف التفتّ وسرت لا ألقى سوى … متوجع يشكو إلى متوجّع
حتى الألى نفشوا عليك سمومهم … حزّ الأسى أكبادهم كالمبضع
عرفوا مكانك بعد ما فارقتهم … يا ليتهم عرفوه قبل المصرع
ولكم تمنّوا لو تعود إليهم … أنت الشباب إذا مضى لم يرجع
حنّوا إلى أرج الأزاهر بعدما … عبثت بها أيدي الرياح الأربع
واستعذبوا الماء المسلسل بعدما … نضب الغدير وجفّ ماء المشرع
يا لوعة الأحباب حين تساءلوا … عنه وعادوا بالجواب الموجع
إن الذي قد كان معكم قد مضى … من موضع أدنى لأرفع موضع
من عالم متكلّف متصنّع … تشقى نفوس فيه لم تتصنّع
للعالم الأسمى الطهور ، ومن مجاورة … الأنام إلى جوار المبدع