لقاء و فراق – إيليا أبو ماضي

صبرا على هجرنا إن كان يرضيها … غير المليحة مملول تجنّيها

فالوصل أجمله ما كان بعد نوى … و الشمس بعد الدّجى أشهى لرائيها

أسلمت للسّهد طرفي و الضّنى بدني … إنّ الصبابة لا يرجى تلاقيها

إنّ النساء إذا أمرضن نفس فتى … فليس غير تدانيهنّ يشفيها

فاحذر من الحبّ إنّ الريح خفيت … لولا غرام عظيم مختف فيهعا

يمضي الصفاء و يبقى بعده أثر … في النفس يؤلمها طورا و يشجيها

مرّت ليال بنا كان أجملها … تمّت فما شانها إلاّ تلاشيها

تلك اللّيالي أرجو تذكّرها … خوف العناء و لا أخشى تناسيها

أصبو إليها و أصبو كلّما ذكرن … عندي اشتياقا إلى مصر و أهليها

أرض سماء سواها دونها شرفا … فلا سماء و لا أرض تحاكيها

رقّت حواشيها و اخضرّ جانبها … و أجمل الأرض ما رقت حواشيها

كأنّ أهرامها الأطواد باذخة … هذي إلى جنبها الأخرى تساميها

و نيلها العذب ما أحلى مناظره … و الشّمس تكسوه تبرا في تواريها

كأنّها كعبة حجّ الأنام لها … لولا التقى قلت فيها جلّ بانيها

و ما أحيلى الجواري الماخرات به … تقلّ من أإرضه أحلى جواريها

من كلّ الوجه يغرينا تبسّمها … إن نجتديها ، و يثنينا تثنيها

و ناهد حجبت عن كلّ ذي بصر … حشاشتي خدرها و القلب ناديها

فقي كلّ جارحة منّي لها أثر … ” و الدار صاحبها أدرى بما فيها “

و في الكواكب جزء من محاسنها … و في الجآذر جزء من معانيها

يمّميتها و نجوم الأفق تلحظني … في السير شذرا كأنّي من أعاديها

كادت تساقط غيظا عندما علمت … أنّي أؤم التي بالنفس أفديها

أسرى إليها و جنح اللّيل مضطرب … كأنّه مشفق أن لا ألاقيها

و الشوق يدفعني و الخوف يدفعني … هذا إليها و هذا عن مغانيها

أطوي الدّياجي و تطويني على جزع … تخشى افتضاحي و أخشى الصّبح يطويهعا

فما بلغت مغاني من شغف بها … إلاّ وقد بلغت نفسي تراقيها

هناك ألقيت رحلي و انتحيت إلى … خود يرى الدّمية الحسناء رائيها

بيض ترائبها سود ذوابيها … زجّ حواجبها كحل مآقيها

نهودها من ثنايا الثوب بارزة … كأنّها تشتكي ممّا بولريها

و الثوب قد ضاق عن إخفائها فنبا … عنها فيا ليتني برد لأحميها

و تحت ذلك خصر يستقلّ به … دعص ترجرج حتّى كاد يلفيها

قامت تصافحني و الرّدف يمنعها … و الوجد يدفعها و القدّ يثنيها

دهشت حتّى كأنّي قطّ لم أرها … و كدت و الله أنسى أن أحيّيها

باتت تكلّمني منها لواحظها … بما تكنّ و أجفاني تناجيها

حتّى بدا الفجر و اعتلّت نسائمه … و كاد ينشر أسراري و يفشيها

بكت دموعا و أبكتني الدموع دما … ورحت أكتم أشياء و تبديها

كأنّها شعرت في بعدنال أبدا … فأكثرت من وداعي عند واديها

فما تعزّت بأن الدّهر يجمعنا … يوما و لا فرحت أنّي أمنيها

تقول و الدمع مثل الطلّ منتثر … على خدود خشيت الدّمع يدميها

و الهف نفسي على أنس بلا كدر … ترى تنال من الدنيا أمانيها ؟

فقلت صبرا على كيد الزمان لنا … فكلّ حافر بئر واقع فيها

ألحان: على العيساوي