لعبة التجارب – محمد مهدي الجواهري

هو الحُكم – إن حقَّقتَ – لُعبةُ لاعبِ … يُسَمُّونَ ترقيعاتهِ بالتجارِبِ

فتجرِبةٌ للحكمِ خَلقُ موظفٍ … وتجرِبةٌ للشعبِ تخريجُ نائب

وإنَّ بلاداً بالتجارِب هُدّمت … وضُيّعَ أهلوها لإحدى العجائب

وأعجبُ منه أن يُمنِّي رجالُها … نفوسَهمُ خيراً بعقبى المصائب

تُعطَّلُ أربابُ المواهبِ ريثما … يُتمَّمُ تخريجُ الضِّعاف المواهب

ولو جَرَّبوا أهل المناصب وحدَهم … لهانَ ، ولكنْ جُربّوا في المناصب

من الظلم أن تأتي قصيدةُ شاعر … لتُصلِحَ حالاً أو مقالةُ كاتب

فما دامَ حُكمٌ للتجاريب راهن … فليس لنا غيرُ انتظارِ العواقب

ولكنَّ دأبَ الشاعِرينَ تحرُّشٌ … ومن عادةٍ الكُتابِ خلقُ المتاعبّّ

دعوا القومَ أحراراً يؤدُّونَ واجباً … ولا تحسَبِوا سهلاً قياماً بواجبّ

ولا تحسبوا سهلاً بناءَ دوائرٍ … وتوقيع أوراقٍ وتوزيعَ راتب

غزا الجهلُ أرض الرافدْينِ فحلَّها … كثيرَ السَّرايا مُستجاشَ الكتائب

طليعةُ جيشٍ للمصائبِ هدَّدتْ … كرامتَهُ والجْهلُ رأسُ المصائب

وما خيرُ شعب لستَ تعثرُ بينه … على قارئٍ من كلِّ ألفٍ وكاتب

تمشَّى يجرُّ الفَقْر ردفاً وراءهُ … وأتعِسْ بمصحوبٍ وأتعِسْ بصاحب

وراحا على الجُمهور ضيفينِ ألفْيَا … مُناخاً جميلاً بين هذي الخرائب

فكان لِزاماً أنْ تحوزَ عصابةٌ … تفيتْ بظلِّ الجاه أعلى المراتب

وكان لزاماً أن تتمَّ سيادةٌ … عليه لأبناءِ ” الذوات ” الأطايب

وكان لزاماً أن تُقادَ جموعُه … حفاةً عراةً مهطعينَ ” لراكب “

وكان لزاماً أن تحاكَ دسائسٌ … له تحت أستار الخِداع الكواذب

وكان لزاماً أن تعطَّل صنعةٌ … وأن يُصبحَ التوظيفُ أغلى المكاسب

مشى الشعب منهوكَ القُوى واهنَ الخُطى … كواهلُه قد أُثقِلتْ بالضرائب

وقد حِيلَ ما بين الحياةِ وبينهُ … فللموت منه بين عَينٍ وحاجب

وكُمَّت به الأفواه عن كشف سوءَةٍ … كأنْ لم يكن من ثَمَّ عتبٌ لعاتب

وأوجعُ ما يُصمي الغيورَ مقْاصرٌ … أطلَّتْ على مجحورةٍ في الزرائب

يَبينُ على الحيطان شرخُ نعيمها … وتغمُرها اللذاتُ من كلِّ جانب

وتحيي ليالي الرّقْص فيها خليعةٌ … تكشَّف عن سوق الحسان الكواعب

ويجبى إليها خمرُها من مشارقٍ … يجادُ بها تقطيرُها وَمغارب

وتلك من الإدقاع تتَّسد الثرى … يلاعبُ جنبيها دبيبُ العقارب

وقد ذيدَ عنها الزادُ رَفهاً لآكلٍ … وحُرّم فيها الماء صفواً لشارب

وإنيَّ في إرضائيَ الشِعرَ حائرٌ … وإني لمأخوذٌ بهذا التضارب

فقد يُعجِز التفكيرَ ذكرُ محاسنٍ … وقد يُخجل القرطاسَ ذِكرُ المثالب