لا تَدعُ بي الشَوقَ إِني غَيرُ مَعمودِ – صريع الغواني
لا تَدعُ بي الشَوقَ إِني غَيرُ مَعمودِ … نَهى النُهى عَن هَوى الهَيفِ الرَعاديدِ
لَو شِئتُ لا شِئتُ راجَعتُ الصِبى وَمَشَت … فِيَّ العُيونُ وَفاتَتني بِمَجلودِ
سَل لَيلَةَ الخَيفِ هَل أَمضَيتُ آخِرَها … بِالراحِ تَحتَ نَسيمِ الخُرَّدِ الغيدِ
شَجَّجتُها بِلُعابِ المُزنِ فَاِغتَزَلَت … نَسجَينِ مِن بَينِ مَحلولٍ وَمَعقودٍ
كِلا الجَديدَينِ قَد أُطعِمَتُ حَبرَتَهُ … لَو آلَ حَيٌّ إِلى عُمرٍ وَتَخليدِ
أَهلاً بِوافِدَةٍ لِلشَيبِ واحِدَةٍ … وَإِن تَراءَت بِشَخصٍ غَيرِ مَودودِ
لا أَجمَعُ الحِلمَ وَالصَهباءَ قَد سَكَنَت … نَفسي إِلى الماءِ عَن ماءِ العَناقيدِ
لَم يَنهَني فَنَدٌ عَنها وَلا كِبَرٌ … لَكِن صَحَوتُ وَغُصني غَيرَ مَخضودِ
أَوفى بِيَ الحِلمُ وَاِقتادَ النُهى طَلَقاً … شَأوى وَعِفتُ الصِبا مِن غَيرِ تَفنيدِ
إِذا تَجافَت بِيَ الهِمّاتُ عَن بَلَدٍ … نازَعتُ أَرضاً وَلَم أَحفِل بِتَمهيدِ
لا تَطَّبيني المُنى عَن جَهدِ مُطَّلَبٍ … وَلا أَحولُ لِشَيءٍ غَيرِ مَوجودِ
وَمَجهَلٍ كَاطِّرادِ السَيفِ مُحتَجِزٍ … عَنِ الأَدِلّاءِ مَسجورِ الصَياخيدِ
تَمشي الرِياحُ بِهِ حَسرى مُوَلَّهَةً … حَيرى تَلوذُ بِأَكنافِ الجَلاميدِ
مُوَقَّفِ المَتنِ لا تَمضي السَبيلَ بِهِ … إِلّا التَخَلُّلَ رَيثاً بَعدَ تَجهيدِ
قَرَيتُهُ الوَخدَ مِن خَطّارَةٍ سُرُحٍ … تَفري الفَلاةَ بِإِرقالٍ وَتَوخيدِ
إِلَيكَ بادَرتُ إِسفارَ الصَباحِ بِها … مِن جِنحِ لَيلٍ رَحيبِ الباعِ مَمدودِ
وَبَلدَةٍ ذاتِ غَولٍ لا سَبيلَ بِها … إِلّا الظُنونُ وَإِلّا مَسرَحُ السيدِ
كَأَنَّ أَعلامَها وَالآلُ يَركَبُها … بُدنٌ تَوافى بِها نَذرٌ إِلى عيدِ
كَلَّفتُ أَهوالَها عَيناً مُؤَرَّقةً … إِلَيكَ لَولاكَ لَم تُكحَل بِتَسهيدِ
حَتّى أَتَتكَ بِيَ الآمالُ مُطَّلِعاً … لِليُسرِ عِندَكَ في سِربالِ مَحسودِ
مِن بَعدِ ما أَلقَتِ الأَيّامُ لي عَرَضاً … مُلقى رَهينٍ لِحَدِّ السَيفِ مَصفودِ
وَساوَرَتني بَناتُ الدَهرِ فَاِمتَحَنَت … رَبعي بِمُمحِلَةٍ شَهباءَ جارودِ
إِلى بَني حاتِمٍ أَدّى رَكائِبَنا … خَوضُ الدُجى وَسُرى المَهرِيَّةِ القُودِ
تَطوي النَهارَ فَإِن لَيلٌ تَخَمَّطَها … باتَت تَخَمَّطُ هاماتِ القَراديدِ
مِثلَ السَمامِ بَعيداتِ المَقيلِ إِذا … أَلقى الهَجيرُ يَداً في كُلِّ صَيخودِ
حَلَّت بِداوُدَ فَاِمتاحَت وَأَعجَلَها … حَذرُ النِعالِ عَلى أَينٍ وَتَحريدِ
أَعطى فَأَفنى المُنى أَدنى عَطِيَّتِهِ … وَأَرهَقَ الوَعدَ نُجحاً غَيرَ مَنكودِ
وَاللَهُ أَطفَأَ نارَ الحَربِ إِذ سُعِرَت … شَرقاً بِمُوقِدِها في الغَربِ داوُدِ
لَم يَأتِ أَمراً وَلَم يَظهُر عَلى حَدَثٍ … إِلّا أُعينَ بِتَوفيقٍ وَتَسديدِ
مُوَحَّدُ الرَأيِ تَنشَقُّ الظُنونُ لَهُ … عَن كُلِّ مُلتَبِسٍ مِنها وَمَعقودِ
تُمنى الأُمورُ لَهُ مِن نَحوِ أَوجُهِها … وَإِن سَلَكنَ سَبيلاً غَيرَ مَورودِ
إِذا أَباحَت حِمى قَومٍ عُقوبَتُهُ … غادى لَهُ العَفوُ قَوماً بِالمَراصيدِ
كَاللَيثِ بَل مِثلُهُ اللَيثُ الهَصورُ إِذا … غَنّى الحَديدُ غِناءً غَيرَ تَغريدِ
يَلقى المَنِيَّةَ في أَمثالِ عُدَّتِها … كَالسَيلِ يَقذِفُ جُلموداً بِجُلمودِ
إِذا قَصّرَ الرُمحُ لَم يَمشِ الخُطا عَدَداً … أَو عَرَّدَ السَيفُ لَم يَهمُم بِتَعريدِ
إِذا رَعى بَلَداً دانى مَناهِلَهُ … وَإِن بُنينَ عَلى شَحطٍ وَتَبعيدِ
جَرى فَأَدرَكَ لَم يَعنُف بِمُهلَتِهِ … وَاِستَودَعَ البُهرَ أَنفاسَ المَجاويدِ
آلُ المُهَلَّبِ قَومٌ لا يَزالُ لَهُم … رِقُّ الصَريحِ وَأَسلابُ المَذاويدِ
مُظَفَّرونَ تُصيبُ الحَربُ أَنفُسَهُم … إِذا الفِرارُ تَمَطّى بِالمَحاييدِ
نَجلٌ مَناجيبُ لَم يَعدَم تِلادُهُمُ … فَتىً يُرَجّى لِنَقضٍ أَو لِتَوكيدِ
قَومٌ إِذا هَدأَةٌ شامَت سُيوفَهُمُ … فَإِنَّها عُقُلُ الكومِ المَقاحيدِ
نَفسي فِداؤكَ يا داودُ إِذ عَلِقَت … أَيدي الرَدى بِنَواصي الضُمَّرِ القودِ
داوَيتَ مِن دائِها كَرمانَ وَاِنتَصَفَت … بِكَ المَنونُ لِأَقوامٍ مَجاهيدِ
مَلَأنَها فَزَعاً أَخلى مَعاقِلَها … مِن كُلِّ أَبلَخَ سامي الطَرفِ صِنديدِ
لَمّا نَزَلتَ عَلى أَدنى بِلادِهِمُ … أَلقى إِلَيكَ الأَقاصي بِالمَقاليدِ
لَمَستَهُم بِيَدٍ لِلعَفوِ مُتَّصِلٍ … بِها الرَدى بَينَ تَليينٍ وَتَشديدِ
أَتَيتَهُم مِن وَراءِ الأَمنِ مُطَّلِعاً … بِالخَيلِ تَردى بِأَبطالٍ مَناجيدِ
وَطارَ في إِثرِ مَن طارَ الفِرارُ بِهِ … خَوفٌ يُعارِضُهُ في كُلِّ أُخدودِ
فاتوا الرَدى وَظُباتُ المَوتِ تَنشُدُهُم … وَأَنتَ نَصبُ المَنايا غَيرُ مَنشودِ
وَلَو تَلَبَّثَ دَيّانٌ لَها رَوِيَت … مِنهُ وَلَكِن شَآها عَدوَ مَزؤودِ
أَحرَزَهُ أَجَلٌ ما كادَ يُحرِزُهُ … فَمَرَّ يَطوي عَلى أَحشاءِ مَفؤودِ
وَرَأسُ مِهرانَ قَد رَكَّبتَ قُلَّتَهُ … لَدناً كَفاهُ مَكانَ اللَيثِ وَالجيدِ
قَد كانَ في مَعزِلٍ حَتّى بَعَثتَ لَهُ … أُمَّ المَنِيَّةِ في أَبنائِها الصيدِ
أَجُنَّ أَم أَسلَمَتهُ الفاضِحاتُ إِلى … حَدٍّ مِنَ السَيفِ مَن يَعلَق بِهِ يودِ
أَلحَقتَهُ صاحِبَيهِ فَاِستَمرَّ بِهِم … ضَربٌ يُفَرِّقُ ضَبّاتِ القَماحيدِ
أَعذَرَ مَن فَرَّ مِن حَربٍ صَبَرتَ لَها … يَومَ الحُصَينِ شِعارٌ غَيرُ مَجحودِ
يَومَ اِستَضَبَّت سِجِستانٌ طَوائِفَها … عَلَيكَ مِن طالِبٍ وِتراً وَمَحقودِ
ناهَضتَهُم ذائِدَ الإِسلامِ تَقرَعُهُم … عَنهُ ثُلاثَ وَمَثنى بِالمَواحيدِ
تَجودُ بِالنَفسِ إِذ أَنتَ الضَنينُ بِها … وَالجودُ بِالنَفسِ أَقصى غايَةِ الجودِ
تِلكَ الأَزارِقُ إِذ ضَلَّ الدَليلُ بِها … لَم يُخطِها القَصدُ مِن أَسيافِ داودِ
كانَ الحُصَينُ يُرَجِّي أَن يَفوزَ بِها … حَتّى أَخَذتَ عَلَيهِ بِالأَخاديدِ
ما زالَ يَعنُفُ بِالنُعمى وَيَغمِطُها … حَتّى اِستَقَلَّ بِهِ عودٌ عَلى عودِ
وَضَعتَهُ حَيثُ تَرتابُ الرِياحُ بِهِ … وَتَحسُدُ الطَيرَ فيهِ أَضبُعُ البيدِ
تَغدو الضَواري فَتَرميهِ بِأَعيُنِها … تَستَنشِقُ الجَوَّ أَنفاساً بِتَصعيدِ
يَتبَعنَ أَفياءَهُ طَوراً وَمَوقِعَهُ … يَلَغنَ في عَلَقٍ مِنهُ وَتَجسيدِ
فَكانَ فارِطَ قَومٍ حانَ مَكرَعُهُم … بِأَرضِ زاذانَ شَتّى في المَواريدِ
يَومَ جُراشَةَ إِذ شَيبانُ موجِفَةٌ … يَنجونَ مِنكَ بِشِلوٍ مِنهُ مَقدودِ
زاحَفتَهُ بِاِبنِ سُفيانَ فَكانَ لَهُ … ثَناءُ يَومٍ بِظَهرِ الغَيبِ مَشهودِ
نَجا قَليلاً وَوافى زَجرُ عائِفِهِ … بِيَومِهِ طَيرَ مَنحوسٍ وَمَسعودِ
وَلّى وَقَد جَرَعَت مِنهُ القَنى جُرَعاً … حَيَّ المَخافَةِ مَيتاً غَيرَ مَوؤودِ
زالَت خُشاشَتُهُ عَن صَدرِ مُعتَدِلٍ … داني الكُعوبِ بَعيدَ الصَدرِ أُملودِ
إِذا السُيوفُ أَصابَتهُ تَقَطَّعَ في … سُرادِقٍ بِحَوامي الخَيلِ مَمدودِ
يَفدي بِما نَحَلَتهُ مِن خِلافَتِهِ … حُشاشَةَ الرَكضِ مِن جَرداءَ قَيدودِ
حَلَّ اللِواءَ وَخالَ الخِدرَ عائِذَهُ … فَعاذَ بِالخِدرِ تِربُ الكاعِبِ الرُوَدِ
وَإِن يَكُن شَبَّها حَرباً وَقَد خَمَدَت … فَنائِياً حَيثُ لا هَيدٍ وَلا هيدِ
كُلٌّ مَثَلتَ بِهِ في مِثلِ خُطَّتِهِ … قَتلاً وَأَضجَعتَهُ في غَيرِ مَلحودِ
عافوا رِضاكَ فَعاقَتهُم بِعَقوَتِهِم … عَنِ الحَياةِ مَناياهُم لِمَوعودِ
وَأَنتَ بِالسِندِ إِذ هاجَ الصَريخُ بِها … وَاِستَنفَدَت حَربُها كَيدَ المَكاييدِ
وَاِستَغزَرَ القَومُ كَأساً مِن دِمائِهِمُ … وَأَحدَقَ المَوتُ بِالكُرّارِ وَالحيدِ
رَدَدتَ أَهمالَها القُصوى مُخَيَّسَةً … وَشِمتَ بِالبيضِ عَوراتِ المَراصيدِ
كُنتَ المُهَلَّبَ حَتّى شَكَّ عالِمُهُم … ثُمَّ اِنفَرَدتَ وَلَم تُسبَق بِتَسويدِ
لَم تَقبَلِ السِلمَ إِلّا بَعدَ مَقدِرَةٍ … وَلا تَأَلَّفتَ إِلّا بَعدَ تَبديدِ
حَتّى أَجابوكَ مِن مُستَأمِنٍ حَذِرٍ … راجٍ وَمُنتَظِرٍ حَتفاً وَمَثمودِ
أَهدى إِلَيكَ عَلى الشَحناءِ أُلفَتَهُم … مَوتٌ تَفَرَّقَ في شَتّى عَباديدِ
وَفي يَدَيكَ بَقايا مِن سَراتِهِمُ … هُمُ لَدَيكَ عَلى وَعدٍ وَتَوعيدِ
إِن تَعفُ عَنهُم فَأَهلُ العَفوِ أَنتَ وَإِن … تُمضِ العِقابَ فَأَمرٌ غَيرُ مَردودِ
إِسمَع فَإِنَّكَ قَد هَيَّجتَ مَلحَمَةً … وَفَدتَ مِنها بِأَرواحِ الصَناديدِ
اِقذِف أَبا مَلِكٍ فيها يَكُنكَ بِها … وَيَسعَ فيها بِجَدٍّ مِنكَ مَجدودِ
يَمضي بِعَزمِكَ أَو يَجري بِشَأوِكَ أَو … يَفري بِحَدِّكَ كَلٌّ غَيرُ مَحدودِ
لا يَعدَمنَكَ حِمى الإِسلامِ مِن مَلِكٍ … أَقَمتَ قُلَّتَهُ مِن بَعدِ تَأويدِ
كَفَيتَ في المُلكِ حَتّى لَم يَقِف أَحَدٌ … عَلى ضَياعٍ وَلَم يَحزَن لِمَفقودِ
أَعطَيتَهُم مِنكَ نُصحاً لا كَفاءَ لَهُ … وَأَيَّدوكَ بِرُكنٍ غَيرَ مَهدودِ
لَم يَبعَثِ الدَهرُ يَوماً بَعدَ لَيلَتِهِ … إِلّا اِنبَعَثتَ لَهُ بِالبَأسِ وَالجودِ
أَجرى لَكَ اللَهُ أَيّامَ الحَياةِ عَلى … فِعلٍ حَميدٍ وَجَدٍّ غَيرِ مَنكودِ
لا يَفقِدِ الدينُ خَيلاً أَنتَ قائِدُها … يُعهَدنَ في كُلِّ ثَغرٍ غَيرِ مَعهودِ
مُحَمَّلاتٍ إِذا آبَت غَنائِمُها … وَمُقدِماتٍ عَلى نَصرٍ وَتَأيِيدِ
هُناكَ أَنَّكَ مَغدى كُلِّ مُلتَمِسٍ … جوداً وَأَنَّكَ مَأوى كُلِّ مَطرودِ
تَستَأنِفُ الحَمدَ في دَهرٍ أَوائِلُهُ … مَوسومَةٌ بِفَعالٍ مِنكَ مَحمودِ
إِذا عَزَمتَ عَلى أَمرٍ بَطَشتَ بِهِ … وَإِن أَنَلتَ فَنَيلاً غَيرَ تَصريدِ
عَوَّدتَ نَفسَكَ عاداتٍ خُلِقتَ لَها … صِدقَ الحَديثِ وَإِنجازَ المَواعيدِ