شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها – صريع الغواني
شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها … إِذا خَلَت مِن حَبيبٍ لي مَغانيها
دَعِ الرَوامِسَ تَسفى كُلَّما دَرَجَت … تُرابَها وَدَعِ الأَمطارَ تُبليها
إِن كانَ فيها الَّذي أَهوى أَقَمتُ بِها … وَإِن عَداها فَما لي لا أُعَدّيها
أَحَقُّ مَنزِلَةٍ بِالتَركِ مَنزِلَةٌ … تعَطَّلَت مِن هَوى نَفسي نَواديها
أَمكَنتُ عاذِلَتي في الخَمرِ مِن أُذُنٍ … صَمّاءَ يُعيِ صَداها مَن يُناديها
وَقُلتُ حينَ أَدارَ الكَأسَ لي قَمَرٌ … الآنَ حينَ تَعاطى القَوسَ باريها
يا أَملَحَ الناسِ كَفّاً حينَ يَمزُجُها … وَحينَ يَأخُذُها صِرفاً وَيُعطيها
قَد قُمتَ مِنها عَلى حَدٍّ يُلائِمُها … فَهَكَذا فَأَدِرها بَينَنا إِيها
إِن كانَتِ الخَمرُ لِلأَلبابِ سالِبَةً … فَإِنَّ عَينَيكَ تَجري في مَجاريها
سِيانَ كَأسٌ مِنَ الصَهباءِ أَشرَبُها … وَنَظرَةٌ مِنكَ عِندي حينَ تُصبيها
في مُقلَتَيكَ صِفاتُ السِحرِ ناطِقَةٌ … بِلَفظِ واحِدَةٍ شَتّى مَعانيها
فَاِشرَب لَعَلَّكَ أَن تَحظى بِسَكرَتِها … فَتَصدُقَ الكَأسُ نَفَساً ما تُمَنّيها
وَمُخطَفِ الخَصرِ في أَردافِهِ عَمَمٌ … يَميسُ في خامَةٍ رَقَّت حَواشيها
إِذا نَظَرتُ إِلَيهِ تاهَ عَن نَظَري … وَإِن شَكَوتُ إِلَيهِ زادَني تيها
لَولا الأَمينُ الَّذي في الأَرضِ ما اِختَلَسَت … بَناتُ لَهوي إِذا عَنَّت غَواشيها
خَليفَةُ اللَهِ قَد ذَلَّت بِطاعَتِهِ … صُعرُ الخُدودِ بِرَغمٍ مِن مَراقيها
أَحيَت يَداهُ النَدى وَالجودَ فَاِنتَشَرا … في الأَرضِ طُرّاً وَجالا في نَواحيها
عَمَّت مَكارِمُهُ الدُنيا فَأَوَّلُها … تُهدى نَداهُ إِلى أُخرى أَقاصيها
كَم مِن يَدٍ لِأَمينِ اللَهِ لَو شُكِرَت … لَقَصَّرَ النَفسُ عَن أَدنى أَدانيها
فَتىً تُهينُ رِقابَ المالِ راحَتُهُ … إِذا أَتاها مُريدُ المالِ يَبغيها
يُمنى يَدَيكَ لَنا جَدوى مُطَبَّقَةٍ … هَذا السَحابُ بِأَعلى الأُفقِ يَحكيها
حَلَّت قُرَيشُ العُلا مِن كُلِّ مَكرُمَةٍ … وَحَلَّ بَيتُكَ في أَعلى أَعاليها
فُقتَ البَرِيَّةَ مِن كَهلٍ وَمِن حَدَثٍ … وَفاقَ أَباؤُكَ الماضونَ ماضيها
شَيَّدتَ بَيتَكَ في عَلياءِ مَكرُمَةٍ … يُقَصِّرُ النَجمُ عَن أَدنى مَراقيها
ما يَسبِقُ الناسُ في غاياتِ مَكرُمَةٍ … إِلّا وَكَفُّكَ دونَ الخَلقِ تَحويها
خَليفَةُ اللَهِ لَو عُدَّت فَضائِلُهُ … إِذاً لَقَلَّ مِن الحُسّابِ مُحصيها
جارى الأَمينُ مُلوكَ الناسِ كُلَّهُمُ … فَما تُقُدِّمَ سَبقاً في مَباديها
نالَت مَكارِمُكَ العَيّوقَ فَاِتَّصَلَت … بِهِ وَقَصَّرَ عَنها مَن يُساميها
يا أَكرَمَ الناسِ إِذ تُرجى لِنائِبَةٍ … جاءَت بِها حادِثاتُ الدَهرِ تَهديها
لَسنا نَخافُ صُروفَ الدَهرِ ما عَلِقَت … أَكُفُّنا بِحِبالٍ مِنكَ تَمريها
كافى الإِمامُ الوَرى طُرّاً بِأَجمَعِها … وَفاقَهُم بِبُيوتِ المَجدِ يَبنيها
رَآكَ رَبُّكَ أَهلاً إِذ حَباكَ بِها … فَاِبقَ وَدُم بِسُرورٍ ناعِماً فيها
أَحيا المَكارِمَ هارونٌ وَأَثبَتَها … وَأَنتَ في الناسِ يا اِبنَ الغُرِّ تُمضيها
يا مُثبِتَ المُلكِ إِذا زالَت دَعائِمُهُ … وَثارَ بِالفِتنَةِ العَمياءِ باغيها
كَم طَعنَةٍ لَكَ في الأَعداءِ مُهلِكَةٍ … نَجلاءَ تُعجِلُهُم عَن نَفثِ راقيها
لَمّا غَدَوتَ إِلى الأَعداءِ مُطَّلِعاً … غَيرَ الجَبانِ عَلَيها لا تُباليها
قَسَمتَ فيها مَنايا غَيرَ مُبقِيَةٍ … وَقُمتَ عِندَ نُفوسِ الحَقِّ تُحيِيها
أَخَمَدتَ بِالشَرقِ نيراناً مُؤَجَّجَةً … قَد كانَ عَزَّ عَلى الإِسلامِ مُخبيها
حَتّى بُعِثتَ عَلَيها رَحمَةً فَخَبَت … نيرانُها بِكَ فَاِنفَتَّت أَفاعيها
ما ضَيَّعَ اللَهُ قَوماً صِرتَ تَملِكُهُم … وَلا أَضاعَ بِلاداً أَنتَ واليها