اِستَمطَرَ العَينَ أَن أَحبابُهُ اِحتَمَلوا – صريع الغواني
اِستَمطَرَ العَينَ أَن أَحبابُهُ اِحتَمَلوا … لَو كانَ رَدَّ البُكاءُ الحَيَّ إِذ رَحَلوا
لَولا الشَبابُ وَعَهدٌ لا أَحيسُ بِهِ … لَأَعقَبَ العَينَ نَوماً ماؤُها الخَضِلُ
رُمتُ السُلوَّ وَناجاني الضَميرُ بِهِ … فَاِستَعطَفَتني عَلى بَيضاتِها الحَجَلُ
وَلَيلَةٍ يَومَ يَومي ضِحكَةٌ وَبُكاً … باتَت بِعَيني عُيونُ العَينِ تَكتَحِلُ
باتَت تُعاطيهِ كَأسَ اللَهوِ جارِيَةٌ … رودُ الشَبابِ أُناةٌ مِرطُها رَحِلُ
كَأَنَّها ثَمِلٌ مالَ الصَبوحُ بِهِ … لَيسَت بِهِ هُوَ لَكِن مَشيُها ثَمِلُ
وَما اِستَخَفَّكَ إِلّا نَظرَةٌ سَلَكَت … إِثرَ القَبولِ وَقَد خَفَّت لَهُ السُدُلُ
ريعَت فَراعَت ظِباءَ الإِنسِ آنِسَةً … وَهُنَّ عَنها وَما أَغفَلنَها غُفُلُ
وَالناظِراتُ شُفوناً إِن عَرَضنَ لَنا … كَما تَرامى بِلَحظِ الخُلسَةِ القُبُلُ
تَداوَلَت عَذَباتِ السَجفِ أَعيُنُها … خُذلَ القُلوبِ وَفي أَبصارِها وَجَلُ
اِستَفسَدَ الدَهرُ أَقواماً فَأَصلَحَهُم … مُحَمَّلٌ نَكَباتِ الدَهرِ مُحتَمِلُ
بِهِ تَعارَفَتِ الأَحياءُ وَإِئتَلَفَت … إِذ أَلَّفَتهُم إِلى مَعروفِهِ السُبُلُ
كَأَنَّهُ قَمَرٌ أَو ضَيغَمٌ هِصرٌ … أَو حَيَّةٌ ذَكَرٌ أَو عارِضٌ هَطِلُ
لا يَضحَكُ الدَهرُ إِلّا حينَ تَسأَلُهُ … وَلَيسَ يَعبُسُ إِلّا حينَ لا يُسَلُ
أَعطى المَقادَةَ أَهلَ الشامِ حينَ غُشوا … مِن جَعفَرٍ بِهَناتٍ مالَها حِوَلُ
سَدَّ الخَليفَةُ أَطرافَ الثُغورِ بِهِ … وَقَد تَهَتَّكَ وَاِستَرخى لَها الطِوَلُ
يَأتي الأُمورَ بِأَشكالٍ فَيُبرِمُها … مُستَحصِدُ الرَأيِ ما في رَأيِهِ خَطَلُ
يَكادُ مِن عَزمِ رَأيٍ في بَصيرَتِهِ … أَن يَختِلَ الدَهرَ عَما لَيسَ يُختَتَلُ
أَمَّنتَ بِالشامِ أَرواحاً وَأَفئِدَةً … قَد حَلَّ مُستَوطِناً أَوطانُها الوَجَلُ
كُلُّ البَرِيَّةِ مُلقٍ نَحوَهُ أَمَلاً … بِالرُغبِ وَالرُهبِ مَوصولاً بِهِ الأَمَلُ
مُستَغرِقٌ لِمُنى العافينَ نائِلَهُ … تَفنى عَلى وَعدِهِ الأَموالُ وَالعِلَلُ
وَمَجمَعٍ لِحُتوفِ الدَهرِ أُهبَتُهُ … فَرَّجتَ غَمّاءَهُ وَالمَوتُ مُشتَمِلُ
وَمَأزِقٍ يَبعَثُ الطُغيانُ بَعثَتَهُ … مُستَهدِفٍ لِلمَنايا دَواؤُهُ القَفِلُ
قَد بَلَّغَتهُ بِكَ الأَقدارُ مَبلَغَهُ … وَعاذَ بِالأَسرِ مَن يُؤتى بِهِ النَفَلُ
في عَسكَرٍ تُشرِقُ الأَرضُ الفَضاءُ بِهِ … كَاللَيلِ أَنجُمُهُ القُضبانُ وَالأَسَلُ
لا يُمكِنُ الطَرفَ مِنهُ أَن يُحيطَ بِهِ … ما يَأخُذُ السَهلُ مِن عُرضَيهِ وَالجَبَلُ
أَثبَتَّ لِلدينِ أَركاناً وَأَعمِدَةً … قَد كانَ خِيفَ عَلَيها الدَحضُ وَالزَلَلُ
إِذا تَفاوَتَ أَمرٌ أَو مَضى حَدَثٌ … رَدَّت نَوافِلَهُ مِن أَمرِكَ المُهَلُ
أَطَعتَ رَبَّكَ فيما الحَقُّ لازِمُهُ … حَتّى أَطاعَكَ في أَعدائِكَ الأَجَلُ
لَم يُخرِجِ النَكثُ قَوماً عَن دِيارِهِمُ … إِلّا رَمَتهُم بِكَ الأَيّامُ وَالدُوَلُ
تَفتَرُّ عَنكَ العُلا إِذا عُدَّ واحِدُها … حَتّى يَكونَ إِلَيكَ الخَوفُ وَالأَمَلُ
لاقى بِكَ المَجدُ قَوماً يَحتَلونَ بِهِ … فَقَلَّدوكَ حُلِيَّ المَجدِ إِذ عُطِلوا
هَبَطتَ أَرضَ فِلَسطينٍ وَقَد سَمُحَت … فَالخَوفُ مُنتَشِرٌ وَالسَيفُ مُعتَمَلُ
فَما بَرِحتَ تَسوقُ المَوتَ نَحوَهُمُ … حَتّى كَبوا وَأَضَلَّ اللَهُ ما عَمِلوا
لَقيتَهُم بِالمَنايا في مُلَملَمَةٍ … تَنبو الصَوارِمُ عَنها وَالقَنا الذُبُلُ
يَحوزُ عَفوَكَ مَن سالَمتَ مُغتَبِطاً … وَلا يُقالُ لِمَن عادَيتَ ما فَعَلوا
ناضَلتَ فيها الرَدى عَن نَفسِ ذائِدِها … وَالمَوتُ في مُهَجِ الفُرسانِ تَنتَضِلُ
داوى فِلِسطينَ مِن أَدوائِها بَطَلٌ … في صورَةِ المَوتِ إِلّا أَنَّهُ رَجُلُ
سَلَّ المَنونُ عَلَيهِم مِن مَناصِلِهِ … مِثلَ العَقيقِ تَرامى دونَهُ الشُعَلُ
مِن بَعدِ ماعَظُمَت في الدينِ شَوكَتُها … وَاِستَذأَبَت شاتُها وَاِستَأسَدَ الوَعِلُ
فَسَيفُ جَعفَرَ أَعطاهُم أَمانَهُمُ … وَرَأيُ يَحيى أَراهُم غِبَّ ما جَهِلوا
فَالمُلكُ مُمتَنِعٌ وَالشَرُّ مُتَّزِعٌ … وَالخَيرُ مُتَّسِعٌ وَالأَمرُ مُعتَدِلُ