لاعداكِ الغيثُ يا دارَ الوصالِ – مهيار الديلمي
لاعداكِ الغيثُ يا دارَ الوصالِ … كلُّ منهلّ العرى واهى العزالي
غدقٌ كلُّ ثرى هاجرة ٍ … تحته يضحكُ عن برد الظِّلالِ
موقظٌ تربك من غير ضرارٍ … ممرضٌ ريحك من غير اعتلالِ
بليالٍ سلفت من عيشنا … آه والهفي على تلك الليالي
إذ يد الدهر يمينٌ والصِّبا … واسعُ الشوط وجيدُ الدهر حالي
وإماءُ الحيِّ ممّا اختضبت … أرضهم بيضُ الطُّلى خضرُ النعالِ
وشبابي ما عليه في الهوى … أمرُ سلطانٍ ولا تعزير والي
والغواني آذناتٌ لفمي … ويدي مرتسناتٌ في حبالي
كلّ هيفاءَ يميني طوقُها … فحمة َ الليل وقرطاها شمالي
أجتني ريحانة َ الحب بها … غضّة ً ما بين غصنٍ وهلالِ
ضمّة تلهى عن النوم إلى … لثمة ٍ تسلى عن العذب الزلالِ
رخوة المفصلِ لينٍ مسّها … صعبة ٍ مزجك جورا باعتدالِ
لك منها جلسة ٌ أو لفتة ٌ … بنتُ دعصٍ فوقها أمّ غزالِ
حكمتْ في الحسن حتى ختمتْ … سمة الرقّ على عنقِ الجمالِ
غفلة ٌ للدهر كانت تحت سترٍ … من سواد الشعر مسدولٍ مذالِ
لم أكن أنكرُ حالا من زماني … قبلَ أن غيَّر جورُ الشيب حالي
أقمر الليلُ فقالوا رشدا … قلت يا شوقي إلى ذاك الضلالِ
حكمَ الدهرُ فما أنصفنا … حاكما يصرفُ حقّاً بمحالِ
وأبو الألوان لا يبقي على … صغة ٍ فينا ولا حذوِ مثالِ
إن وفى يوما فللغدرِ وإن … ضمَّ شملا فلصدعٍ وزيالِ
وهو مغرى ً بيَ من بين بنيهِ … سفها مالك يا دهرُ ومالي
أبثأرٍ ضاع تبغيني لابل … حسدَ الفضلِ وقصدا للكمالِ
هل ترى تسطيع أن تأخذَ عزِّي … وإبائي عند ما تأخذُ مالي
أنا ذاك المخذمُ القاطعُ لا … صدئي نقصٌ ولا فرطُ انفلالي
أغرِ بي ما شئت قد يوغلُ قطعا … عاطلُ الجفنِ وقد ينكلُ حالي
ليَ في دفعك نفسٌ أيُّ نفسٍ … ورجالٌ وزَرٌ أيُّ رجالِ
جنَّة ٌ دونيَ لا ينفذها … لك كيدٌ بنصالٍ ونبالٍ
هم لنصري أسرة ُ العزِّ القدامى … وهمُ أربابُ نعمايَ الأوالي
كيفما طوَّفتَ بي صدَّك عني … بيديه كالئٌ منهم ووالي
لم تغيِّر رأيهم في لمِّ شعثي … غيرُ الدهرِ وفي سدّ اختلالي
بعدُ روحُ المجدِ فيهم حيَّة ٌ … والمعالي عندهم بعدُ معالي
حملوا غدرك يا دهرُ فما … أنكروا عادة َ صبرٍ واحتمالِ
ثقِّلوا منك على سوقٍ خفافٍ … بوسوقٍ تظلعُ البزلَ ثقالِ
كلّ شخصٍ عقرُ أهوالك في … جنبهِ أوفى على عودٍ جلالِ
فإنه يا باحثُ محفارك عنهم … إنّما تنكتُ منهم في جبالِ
أنفسٌ ترخصُ في سوق الوغى … ومروّاتٌ وأحسابٌ غوالي
ودبى الأرضِ إذا قيل اركبوا … ورواسيها إذا قيل نزالِ
طردوا الأعداء ذبّاً بالعوالي … وبأقلامٍ كأطرافِ العوالي
وأغصُّوا كلَّ ريقٍ وفمٍ … بجراحٍ ألجمته وجدالِ
كلّ مجرٍ سعيُ أيّوب له … في ظلام الخطب شعشاعُ الذُّبالِ
يقتفي ثمّ يرى في خطوه … سعة ً توفي على ذاك المثالِ
كأبي طالبَ طود من كثيبٍ … فرعَ الأصلَ وشمس من هلالِ
درجوا واستحفظوه مأثراتٍ … أنشرتْ أعظمهم تلك البوالي
عزماتٌ بالمعالي صبَّة ٌ … وبنانٌ عبقاتٌ بالنوالِ
وكماءِ الكرمِ أخلاقٌ إذا … ما القذى دبَّ إلى الماء الزُّلالِ
رجحَ الحلمُ به واعتدلت … فيه من بعدُ كريماتُ الخلالِ
ساكنُ الجأش وإن نفَّره ال … خطبُ صبَّارٌ لإلحاح السؤالِ
كلّما راجعته مجتديا … أحمدَ الروضَ الرَّبابُ المتوالي
لم يخن عهدا ولا وسوس في … وعدهِ العاجلِ شيطانُ المطالِ
يسبقُ القولَ إذا قال نعم … في رهانِ الجودِ شوطاً بالفعالِ
أكسد المدحُ فبعناه رخيصا … وهو فيه سنة َ الجدبِ يغالي
ورأى الفضلَ يتيما فكفى … أبَ صدقٍ وحبا أمَّ عيالِ
يا يميني في الملمّات إذا … لم أجدْ أختا يمينا لشمالي
والذي كان ذراه منفقي … من سرايا الدهر خلفي ومآلي
لعبت بعدكمُ بي لعبها … نوبُ الدهر وأحداثُ الليالي
لم أجد مذ شطَّت الدارُ بكم … نشطة ً تفلت جنبي من عقالي
أكلَ الدهرُ الذي أسمنتم … بالندى والفضلِ من جاهي ومالي
وانتقى عظمى لماّ لم يجدْ … فوهُ لحماً ليَ من فرط هزالي
وغدا الناسُ بغيصاً وعدوّاً … فيكمُ لي من صديقٍ وموالي
ساءهم حفظيَ فيكم وعكوفي … جانبَ الغيب عليكم واشتمالي
وعلى ما رابهم أو رابني … من زماني ما بقيتم ما أبالي
أنا راضٍ أن أرى أعيانكم … وبكم عن سائر الأعواض سالي
حوّل الناسُ وجوها عنكمُ … وتساقوا فيكمُ كأسَ التقالي
وأبتْ نفسي على النأي فما اس … طاع تحويلي ولا رام انتقالي
كبدي تلك عليكم حرقة ٌ … والهوى ذاك وغرٌّ كاللألي
يتناصعن بأوصافكمُ … بين مصنع طربِ السمع وتالي
لا يبالين افتقارا من غنى ً … وافتراقا بين معزولٍ ووالي
كالمصابيح وأعداؤكمُ … كمدا منها وغيظا فياشتعالِ
فاحفظوا عنّي فإنّي قلّما … خاب بشراي ولا كذّبَ فالي
ساحباتٍ للتهاني أبدا … كلَّ ذيلٍ في السعاداتُ مذالِ
مخبراتٍ أنّ ظلَّ العزّ من … فوقكم يسبغُ من بعد الزوالِ
وبأنَّ الدهرَ عبدٌ تائبٌ … جاء يرجو منكمُ عفوَ الموالي