في فراش المرض – إيليا أبو ماضي

مرضت فأرواح الصّحاب كئيبة … بها ما بنفسي ، ليت نفسي لها فدى

ترفّ حيالي كلّما أغمض الكرى … جفوني جماعات و مثنى و موحدا

تراءى فآنا كالبدور سوافرا … و آونة مثل الجمان منضّدا

و طورا أراها حائرات كأنّها … فراقد قد ضيّعن في الأرض فرقدا

و طورا أراها جازعات كأنّما … تخاف مع الظلماء أن تتبدّدا

أحنّ إليها رائحات و عوّدا … سلام عليها رئحات و عوّدا

تهشّ إليها مقبلات جوارحي … كما طرب السّاري رأى النور فاهتدى

و ألقي إليها السّمع ما طال همسها … كذلك يسترعي الأذان الموحّدا

و يغلب نفسي الحزن رحيلها … كما تحزن الأزهار زايلها الندى

كرهت زوال اللّيل خوف زوالها … و عوّدت طرفي النوم حتى تعوّدا

و لو أنّها في الصحو تطرق مضجعي … حميت الكرى جفني و عشت مسهّدا

و لو لم تكن تعتاد منّي مثلما … خيالاتها همّت بأن تتقيّدا

فيا ليتني طيف أروح و أغتدي … و يا ليتها تستطيع أن تتقيّدا

نحلت إلى أن أنكر صورتي … و أخشى لفرط السقم أن أتنهّدا

مبيتي على الوثير ليانه … و أحسبني فوق الأسنّة و المدى

كأنّ خيوط المهد صارت عقاربا … كأن وسادي قد تحوّل جلمدا

لقد توشك الحمّى ، إذ جدّ جدّها … تقوّم من أضلاعي المتأوّدا

تصوّر لي الخيال حقيقة … و أحسب شخصا واحدا متعدّدا

لقد ضعضعتني ، و هي سر ، و لم يكن … يضعضعني صرف الزمان إذا عدا

إذا ما أنا أسندت رأسي إلى يدي … رمتني منها بالّذي يوهن اليدا

تغلغل في جسمي النحيل أوارها … فلو لم أقدّ الثوب عنه توقّدا

رأيت الذي لم يبصر الناس نائما … و طفت الدنى شرقا و غربا موسّدا

يقول النطاسي لو تبلّدت ساعة … تبلّدت لو أنّي أطيق التبلّدا

تهامس حولي العائدون ورجّموا … و عنّف بعض الجاهلين و فنّدا

فما ساءني شماتة معشر … رجوت بهم عند الشدائد مسعدا

أسأت إليهم ، بل أساؤوا فإنّني … ظننتهم شراوي خلقا و محتدا

أحبّ الضّنى قوم لأنّي ذقته … و أحببته كما يحبّ و يحسدا

وودّ أناس لو يعاجلني الردى … كأنّي أرجو فيهم أن أخلّدا

و ما ضمنوا أن لا يموتوا و إنّما … يودّ زوال الشمس من كان أرمدا

إذا اللّيل أعياه مساجله الضحى … تمنّى لو أنّ الصبح أصبح أسودا

على أنّني والداء يأكل مهجتي … أرى العار ، كلّ العار ، أن أحسد العدى

فإنّ الذي بالجسم لا بدّ زائل … و لكنّ ما بالطبع ينفك سرمدا

لئن أجلب الغوغاء حولي و أفحشوا … فكم شتموا موسى و عيسى و أحمدا

و لا عجب أن يبغض الحرّ جاهل … متى عشق البوم الهزار المغرّدا ؟

و إنّي في كبت العداة و كيدهم … كمن يسلك الدرب القصير المعبّدا

و لكنّني أعفو و للغيظ سورة … أعلّم أعدائي المروءة و الندى

ألا ربّ غرّ خامر الشك نفسه … فلمّا رآني أبصر البحر مزبدا

فأصبح يخشاني و قد بتّ ساكتا … كما كان يخشاني وقد كنت منشدا

و يرهب إسمي أن يطيف بسمعه … كما تتّقي الدرداء حرفا مشدّدا

و من نال منه السيف و هو مجرّد … تهيّب أن يرنو إلى السيف مغمّدا

أحبّ الأبي الحر لا ودّ عنده … و أقلى الذليل النفس مهما تودّدا

و بين ضلوعي قلّب ما تمرّدت … عليه بنات الدهر إلاّ تمرّدا

و لو أنّ من أهوى أطال دلاله … تركت لمن يهواها اللّهو و الدّدا