في ذكرى الخالصي – محمد مهدي الجواهري
سَلْمُ الزمانِ ، وإن حرصتً ، قَليلُ … لا بدّ أنْ سيغول شملَك غولُ
بالرغم مما رجفت أوهامُنا … ياتي المخوف ويُمنع المأمول
كم ذا يسرُّك أن تفوتَك ساعةٌ … طالت أأنت إلى الممات عجول
حقاً أقولُ ، وما الحِمامُ بتاركي، … إني على كُرْه الرَّدَى مجبول
يكفي العقولَ جهالةً تعريفُها … للموت أنَّ سبيلَه مجهول
الليلُ مغبرُّ النجومِ حزينُها … والصبحُ في حبلِ الدُّجى موصول
والشمسُ كاسفةُ الجْببين مُُشيحةٌ … والبدرُ حيرانُ السُّرى مذهول
حزناً ليومَ أبي محمدَ إنّهُ … يومٌ على يومِ الحسابِ يطول
الله يَجْزيكَ الجميلَ فكلُّ ما … خلّفتَه في المسلمينَ جميل
المُعوِلاتُ عليك غُرُّ مكارمٍ … قامت عليها رنّةٌ وعويل
وطَنْتَ نفسَك للصِعاب فذُللت … إنّ الصعابَ يروضُها التذليل
وبذرتَ للأوطانِ أشرفَ بذرةٍ … ستطول أفراعٌ لها وأصول
أعمالُك الغُرُّ الحسانُ خوالدٌ … والمرءُ عن أعماله مسؤول
كن آمنا أن لا تضيع مَتاعبٌ … سيُقيمُها التِمثالُ والتَّمثيل
مهّدْتَ للنَشءِ الجديدِ سبيلَه … فليشكرنَّك بعد جيلِكَ جيل
وملكتَ لم تَقُدِ الرعيلَ وإنما … يُغنيك رأيُك أنْ يُقادَ رعيل
حَمَلَتْ لنا الأسلاكُ نعيَك موجزَاً … حتى كأنْ لم يوحَشِ التنزيل
أو أنَّ دينَ محمدٍ لم ينصدعْ … حتى بكى قرآنَه الانجيل
أعيت بما حملت فجاءت عَيَّةٌ … لا تستبينُ النطقَ حين تقول
منهوكة لم يبق فيها من ذماً … نبأٌ على سَمْعِ الزمانِ ثقيل
الله ما هذا الجلال، حياتُهُ … ترنيمةٌ ومماتُه تبجيل
هل مدَ روحُ اللهِ عيسى روحَه … ام كان يَنْفُثُها به جبريل
قم وانعَ للبيتِ الحرامِ شعارَهُ … وقلِ انطوى التكبيرُ والتهليل
وتعطلتْ سُبُلُ المحامدِ والتقى … والمكرماتِ فما هناك سبيل
قد قلتُ فيك وقلتُ ثانيَ مَرَّةٍ … ولسوف أرجِع كرّتي فأقول
أما العراق ، وقد قضيتَ ، فكفُّهُ … مشلولةٌ وحسامُهُ مفلول
إنْ ينتفضْ فَبِقوةٍ مستغلبٌ … أو ينتهضْ فَبِذِلَّةٍ مغلول
الله ، والأوطان تعرِفُ نيّتي … وعليَّ فيما أدعيهِ ، وكيل
إني إذا شَغَل الغرامُ متَبَّلاً … فانا الذي ببلادِه مشغول
وطنٌ جميلٌ ، وجهُهُ بغدادُه ُ … ورُضابَهَ من دجلةٍ معسول
كيف السُّلُوُّ وليس تبرحُ بُكْرَةٌ … فيه تَهِيجُ صبابتي وأصيل
إني لأشتاقُ الفراتَ وأهلَهُ … ويَروقُني ظِلُّ عليه ظليل
وأُحبُّ شاطئَهُ وروعةَ سَفْحِهِ … تحنو على الأمواجِ فيه نخيل
أشفى على جُرف المهالك موطنٌ … بيديهِ لا يدِ غيره مقتول
آلامُه صدعُ الشقاق بأهله … وبلاؤهُ الأوهامُ والتضليل
في كل يوم ضجة ملعونة … أنْ يحدثَ التغييرُ والتبديل
يا شرقُ يا مهدَ السَّلامِ ألمْ يَئن … أنْ يستطيرَ إلى السلام رسول
إن يُسْرِجِ المستعمرون خيولَهم … فلهم تِراتٌ جمّةٌ وذُحول
أو تنس “عمور ” وما دفعوا بها … لم تُنس ” قرطبةٌ” ولا ” إشبيل “
مَخَرَتْ بأشباهِ البُحور سفائنٌ … وعدت بأمثال الصُّقورِ خُيول