فلوريدا – إيليا أبو ماضي

يا جنّة قبلما حلّت بها قدمي … أحببتها قصّة و اشتقت زاويها

كانت لها صورة في النفس حائرة … مثل القصيدة لم تنسج قوافيها

وددت لو أنّها تمّت فيبصرها … غيري ، و تسكره مثلي معانيها

و كيف تكمل في ذهني و لم أرها … و ما لصورتها شيء يحاكيها ؟

و أيّما نغمة أدّى عذوبتها … كلام راو و لا شاد يغنّيها

أأنشق العطر لم أهبط خمائلها ؟ … و أشرب السحر لم أسمع قماريها ؟

و تصعد النفس منّي للسماء و لا … حبال نور تدلّت من دراريها ؟

كانت سعادة نفسي في تصوّرها … و النفس يسعدها و هم و يشقيها

بالوهم توجد دنيا لا وجود لها … و تنطوي عنك دنيا أنت رائيها

فكم ظمئت و في روحي جداولها … و كم رويت و غيري في سواقيها

قد كنت من قبل مثل الناس كلّهم … أقول إنّ إله الكون باريها

حتّى نظرت إليها في جلالتها … فصار كلّ يقيني أنّه فيها

لمّا رأيت الجمال الحقّ أدركني … زهد بكلّ جمال كان تمويها

كأنّما الحور مرّت في شواطئها … في ليلة طفلة رقّت حواشيها

ففي الرمال سناء من تضاحكها … و في المياه أريج من أغانيها

أتيتها بشباب ضاع أكثره … و غيّبته اللّيالي في مطاويها

فاسترجع الحبّ قلبي فهو مغتبط … و عادت الروح خضراء أمانيها

سئلت ما راق نفسي من محاسنها ؟ … فقلت للناس : باديها و خافيها

و ما حببت من الأشجار ؟ قلت لهم : … إنّي افتتنت بكاسيها و عاريها

و ما هويت من الأزهار ؟ قلت لهم : … ألحبّ عندي لناميها و ذاويها

قالوا : و ما تتمنّى ؟ قلت مبتدرا : … يا ليتني طائر أو زهرة فيها

فربّ أنشودة من بلبل غرد … حوت حكاية حبّ خفت أحكيها

وربّ روح كروحي في بنفسجة … و سنى أطلّت على روحي تناجيها

وربّ قطره ماء لا غناء بها … شاهدت مصرع دنيا في تلاشيها

كلّ الذي لاح في أرضها حسن … و أحسن الكلّ في عيني أهاليها

إلاّ ذوو السحن السوداء واعجبا … أجنّة و ذباب في نواحيها ؟

إنّي ليكبت روحي أن ألاحظهم … بمقلة أبصرت فيها غوانيها

دع المساويء في الدنيا فما برحت … فيها محاسن تنسينا مساويها

كم حاول اللّيل أن يطوي كواكبه … فكان ينشرها من حيث يطويها

واذكر أكارم قوم عنصرهم … و أشبهوا بسجاياهم أقاحيها

بني بلادي و فيكم من خمائلها … جمالها و التّسامي من روابيها

تسلّت النفس عن أحبابها بكم … لولاكم لم يكن شيء يسلّيها

أكرمتموني فشكرا غير منقطع … دوام شكرك للنعماء يبقيها