فلسطين الدامية – محمد مهدي الجواهري
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما … على فِلسْطينَ مسودّاً لها علما
ساءت نهاريَّ يقظاناً فجائعُها … وسئن ليليَ إذ صُوِّرْنَ لي حلما
رمتُ السكوتَ حداداً يوم مَصْرَعِها … فلو تُرِكتُ وشاني ما فتحت فم
أكلما عصفت بالشعب عاصفةٌ … هوجاءُ نستصرخُ القرطاسَ والقلما ؟
هل أنقَذ الشام كُتابٌ بما كتبوا … أو شاعرٌ صانَ بغداداً بما نظما
فما لقلبيَ جياشاً بعاطفةٍ … لو كان يصدقُ فيها لاستفاضَ دما
حسب العواطف تعبيراً ومنقصةً … أنْ ليس تضمنُ لا بُرءاً ولا سقما
ما سرني ومَضاءُ السيفِ يُعوزوني … أني ملكتُ لساناً نافثاً ضَرما
دم يفور على الأعقاب فائرُهُ … مهانةٌ ارتضي كفواً له الكلما
فاضت جروحُ فِلَسْطينٍ مذكرةً … جرحاً بأنْدَلُسٍ للآن ما التأما
وما يقصِّر عن حزن به جدة … حزن تجدده الذكرى إذا قَدُما
يا أُمةً غرها الإِقبالُ ناسيةً … أن الزمانَ طوى من قبلها أمما
ماشت عواطفَها في الحكم فارتطمت … مثلَ الزجاجِ بحد الصخرة ارتطما
وأسرعت في خطاها فوق طاقتها … فأصبحت وهي تشكو الأيْنَ والسأما
وغرَّها رونقٌ الزهراء مكبرة … أن الليالي عليها تخلع الظُّلَما
كانت كحالمةٍ حتى اذا انتبهتْ … عضّتْ نواجذَها من حرقةٍ ندما
سيُلحقون فلسطيناً بأندلسٍ … ويَعْطفون عليها البيتَ والحرما
ويسلبونَك بغداداً وجلقةً … ويتركونِك لا لحماً ولا وضما
جزاء ما اصطنعت كفاك من نعمٍ … بيضاء عند أناسٍ تجحد النعما
يا أمةً لخصوم ضدها احتكمت … كيف ارتضيتِ خصيماً ظالماً حكما
بالمِدفع استشهدي إن كنت ناطقةً … أو رُمْتِ أن تسمعي من يشتكي الصمما
وبالمظالمِ رُدي عنك مظلمةً … أولا فأحقر ما في الكون مَنْ ظُلِما
سلي الحوادثَ والتأريخَ هل عرفا … حقا ورأياً بغير القوةِ احتُرما
لا تطلُبي من يد الجبار مرحمةً … ضعي على هامةٍ جبارةٍ قدما
باسم النظامات لاقت حتفَها أممٌ … للفوضوية تشكو تلْكم النظما
لا تجمع العدلَ والتسليحَ أنظمةٌ … الا كما جمعوا الجزارَ والغنما
من حيث دارتْ قلوبُ الثائرين رأتْ … من السياسةِ قلباً بارداً شبما
أقسمتُ بالقوة المعتزِّ جانبُها … ولست أعظمَ منها واجداً قسماً
إن التسامح في الاسلام ما حصدت … منه العروبة الا الشوكَ والألما
حلتْ لها نجدة الأغيار فاندفعت … لهم تزجي حقوقاً جمةً ودما
في حين لم تعرف الأقوامُ قاطبةً … عند التزاحم الا الصارمَ الخذما
أعطت يداً لغريبٍ بات يقطعُها … وكان يلثَمُها لو أنه لُطِما
أفنيتِ نفسَكِ فيما ازددتِ مِن كرم … ألا تكفّين عن أعدائك الكرما
لابَّد من شيمٍ غُرٍّ فان جلبت … هلكاً فلابد أن تستأصلي الشيما
فيا فِلَسْطينُ إن نَعْدمْكِ زاهرةً … فلستِ أولَّ حقٍ غيلةً هُضِما
سُورٌ من الوَحْدةِ العصماءِ راعَهُمُ … فاستحدثوا ثُغْرَةً جوفاءَ فانثلما
هزّت رزاياكِ أوتاراً لناهضةٍ … في الشرق فاهتَجْنَ منها الشجوَ لا النغما
ثار الشبابُ ومن مثلُ الشباب اذا … ريعَ الحمى وشُواظُ الغَيْرَةِ احتدما
يأبى دمٌ عربيٌ في عروقِهِمُ … أنْ يُصبِحَ العربيُّ الحرُّ مهتضما
في كل ضاحيةٍ منهم مظاهرةٌ … موحدين بها الأعلامَ والكلما
أفدي الذينَ إذا ما أزمةٌ أزَمَتْ … في الشرق حُزناً عليها قصَّروا اللِمَما
ووحدَّتْ منهُمُ الأديانَ فارقةً … والأمرَ مختلفاً والرأيَ مُقتَسمَا
لا يأبهون بارهابٍ إذا احتدَموا … ولا بِمَصْرَعِهِمْ إن شعبُهم سَلِما
لله دره وما كتب