عُمر الفاخوري – محمد مهدي الجواهري
رِثاؤُكَ ما أشَقَّ على لساني … ورُزْؤك ما اشدَ على جَنابي
وكيفَ يُطيقُ عن ألمٍ بياناً … ثكولٌ شَلَّ منهُ الأصغَران
وفَقدُكَ ما أمضَّ وقد توَّلتْ … جِيادُ النصرِ خَوضَ المعمعان
وشرقٌ كنتَ أمسِ لَهُ سِراجاً … كثيفُ الجْوِّ منتشرُ الدخان
تَهاوَى الطامعونَ على ثَراهُ … كما اختلفَ الذُبابُ على خِوان
تَعبَّسُ من مَزاحِفِهِمْ ثغورٌ … وتنتَفِضُ المشارفُ والمواني
وما أنبا مَصيرَكَ عن مصيري … وما أدنى مكانَكَ من مكاني
أصخْتُ لِمَنْ نعاك على ذُهولٍ … كأنيَ قد أصختُ لمَنْ نعاني
وكنتُ أُحِسُّ أنَّ هناك رُزْءاً … وأجهاُ كُنْهَهُ حتّى دهاني
صفَقْتُ براحتَيَّ منِ التياعٍ … وهل أدنتْ بعيداً راحتان؟
ورُحْتُ ، وأيُّ جُرحٍ في فؤادي … مغالَطةً ، أعَضُّ على البَنان
وعانَقَني من الذِكْرَى خيالٌ … كسيرُ النَفْسِ يَشْرَقُ بالهوان
تسيلُ دماً جوانِبُهُ اشتياقاً … إلى اللَّمَحاتِ والمُتَعِ الحِسان
إلى تلك الليالي مُشرِقاتٍ … بها ” لُبنانُ” مُزدَهِرُ المغاني
إلى سَمَرٍ كأنَّ عليه مما … تَنِثُّ مِن الشذا عَبَقَ الجِنان
خيالٌ رُحتُ من يأسٍ وحِرصٍ … أُسَلّي النفْسَ فيه عن العِيان
أثارَ لِيَ العواطِفَ من عنيفٍ … ومُصْطَخِبٍ ، ومُرْتْفِقٍ ، وحاني
وفكَّ من الأعِنَّةِ ذكرياتٍ … تَهُزُّ النفْسَ مُطلَقةَ العِنان
لمَمْتُ عُطورَها فشمِمْتُ منها … شذا الغَضَبِ المطَهَّرِ والحَنان
كِلانا مَعوِزٌ نُطْقاً عليهِ … طيوفُ الموتِ مُلقِيةُ الجِران
لَعَنْتُ اللفظَ ما أقسَى وأطْغَى … وما أعْصَى على صوَرِ المعاني
تقاضاني بيومِكَ تَرْجُماناً … وكنتُ ألوذُ منه بِتَرجُمان
فيا ” عُمَرَ ” النضالِ إذا تشكَّى … شُجاعُ القَلْبِ منَ خَوَرِ الجْبان
ويا ” عُمَرَ ” البيانِ إذا تغذَّى … عِجافُ النَشءِ بالفِكَرِ السِمان
ويا ” عُمَرَ ” الوفاءِ إذا تَخلّى … فُلانٌ في الشدائِد عنْ فُلان
ضُمِنتَ مِن الردى لو كانَ طَولٌ … وأينَ القادِرونَ على الضَّمان
وانَّا والحياةُ إلى تبابٍ … وكلُّ تَجَمُّعٍ فإلى أوان
لمحتربونَ أن نُمسي ونُضحي … وأنت بمعزِلٍ خالي المكان
أسيِتُ لعاكِفينَ عليكَ حُبَّاً … ومُخْتَصينَ فضلَكَ باحتضان
رفاقكَ يومَ مُزدَهرِ الأماني … ودِرْعِكَ يومَ مُشْتَجرِ الطِعان
حببتُكَ باسِماً والهمُّ يَمشي … على قَسَماتِ وجهِك باتِّزان
تُغالِبُه وتَغْلِبُه إباءً … كأنّكَ والهمومَ على رِهان
يُزَمُّ فمٌ فما تُفْضي شِفاهٌ … ويَخفى السِرُّ لولا المُقلتان
على مُوقَيهِما مَرَحٌ ولُطْفٌ … وإنساناهما بكَ مُتعبان
يفيءُ الصَحْبُ منك إلى وريفٍ … لطيفِ الظِلِّ خفَّاقِ المجاني
تَفيضُ طَلاقةً وتذوبُ رِفقاً … ووحْدَكَ أنتَ تدري ما تُعاني
وما أغلى الرجولةَ في شِفاهٍ … مُغَلَّفةٍ على ألمٍ ” مُصان “
وعامِرةِ المعاني مُنتَقاةٍ … بها الكلِماتُ شامِخةُ المباني
فتقتَ الذِهنَ فيها عن طَريفٍ … يُشِعُ اللفظُ فيهِ عن جُمان
يَمُدُّك عَبْقَرٌ فيها وتُجبى … لكَ الخطَراتُ من قاصٍ وداني
أثرْتَ سُطورَها وذهبتَ عنها … فهُنَّ إليكَ من مَضَضٍ رواني
أبا ” الخَطابِ ” رانَ عليكَ ليلٌ … عقيمُ الفجرِ لا يتلوهُ ثاني
وأُغْمِضَتِ الجْفونُ على شَكاةٍ … تُدَغْدغُها من البُشرى أماني
أمانٍ يسودَ الناسَ حُكْمٌ … يَبيتُ الفردُ منهُ على أمان
فلا تبعَدْ وإن أخنى فَناءٌ … وما مُبقٍ مآثِرَهُ بفاني
ورهْنُ الخُلدِ أضْرِحَهٌ عليها … قُطوفُ الفِكرِ يانِعةٌ دواني
بكى ” بَرَدَى ” عليكَ بفيض دمعٍ … ومجَّ النيِلُ فيضاً من بيان
وجِئتُ أغُضُّ طَرْفيَ عن حياءٍ … فهذا ما يمُجُّ ” الرافدانِ ”
إذا ما الحُزنُ طاوَعَ في مصابٍ … فانَّ الشِعرَ يُعْذَرَ في الحِران