عيد النهى – إيليا أبو ماضي

قل للحمائم في ضفاف الوادي … يا ليتكن على شغاف فؤادي

لترين كيف تبعثرت أحلامه … وجرت به الآلام خيل طراد

كانت تشعّ على جوانبه المنى … فخبت وبدّل جمرها برماد

أسعدنه، فعسى يخفّ ولوعه … إنّ الشجي أحقّ بالإسعاد

ذهب الصبا وبقيت في خسراته … ليت الأسى مثل الصبا لنفاد

إنّ الشباب هو الغني فإذا مضى … وأقمت لا ينفكّ فقرك بادي

أمسيت أنظر في الحياة فلا أرى … إلا سوادا آخذا بسواد

ألقى تقابلني النجوم تخاوصت … فكأنما هي أعين الحسّاد

ما ثمّ من ذكرى إذا خطرت على … قلبي استراح سوى خيال الوادي

أفلا تزال الشمس تصبغ وجهه … بالورس آونة وبالفرصاد

أفلا يزال يذوب في أمواجه … ذهب الأصيل وفضّة الآراد؟

لهفي إذا ورد الرفاق عشيّة … وذكرت أني لست الزوّاد

وإذا الحمام شدا وصفّق موجه … أن لا أصفقّ للحمام الشادي

وإذا النخيل تطاولت أظلاله … أن لا يكون مظلّتي ووسادي

وإذا الكواكب رصّعت آفاقه … أن لا يكون لرعيهنّ سهادي

ذقت الهوى وعرفته في شطه … إن الهوى للمرء كالميلاد

لا تدرك الأكباد سرّ وجودها … حتى يجول الحبّ في الأكباد

ما عشت لم يمسس جوانحك الهوى … لم ندر ما في العيش من أمجاد

لا تبصر العين الرياض وحليها … إلاّ على ضوء الصباح الهادي

وطنان أشواق ما أكون إليهما … مصر التي أحببتها وبلادي

ومواطن الأرواح يعظم شأنها … في النفس فوق مواطن الأجساد

حرصي على حبّ ((الكنانة)) دونه … حرص السجين على بقايا الزاد

بلد الجمال خفيّة وجليّه … والفنّ من مستطرف وتلاد

عرضت مواكبها الشعوب فلم أجد … إلاّ بمصر نضارة الآباد

كم من دفين في ثراها لم يزل … كالحي ذا مقة وذا أحقاد

ومشيّد ، للناس إذ يغثونه … من كلّ أرض خشية العبّاد

عاش الجدود وأثّلوا ما أثّلوا … واليوم ينبعثون في الأحفاد

ألمسبغين على النوابغ فضلهم … كالفجر منبسطا على الأطواد

أبناء مصر الناهضين تحية … كودادكم إن لم أقل كودادي

من شاعر كلف بكم وبأرضكم … أبدا يوالي فيكم ويعادي

إن تكرموا شيخ الصحافة تكرموا … أسنى الكواكب في سماء الضاد

خلع الشباب على الكنانة مطرفا … هو كالربيع على ربى ووهاد

ما زال يقحم في الجهالة نوره … حتى تقاصر ليلها المتمادي

بصحيفة نور العيون سوادها … وبياضها من ناصع الأجياد

ينبوع معرفة ،وهيكل حكمه، … ووعاء آداب ، وكنز رشاد

أغلى المواهب والعقول رأيتها … سكنت قصور مهارق ومداد

ذكر المجاهد في الحقيقة خالد … ويزول ربّ السيف والأجناد

لولا جبابرة القرائح لم يسر … في الأرض ذكر جبابر القوّاد

ما ذلّلت سبل المعالي أمّة … إلا بقوة مصلح أو هادي

((صرّوف)) يسألك الأنام فقل لهم … كم في حياتك ساعة استشهاد

طلع القنوط عليك من أغواره … فرددت طائره وجأشك هادي

ومضيت تستقصي الحياة وسرّها … في كلّ عاقلة وكلّ جماد

حتى لكدت تحسّ هاجسة المنى … وتبين كم في النفس من أضداد

أنت الذي أسرت به عزماته … والدرب غامضة على الروّاد

والليل آفات على أغوارها … والهول أنجاد على الأنجاد

إنّ الحقائق أنت ناشر بندها … في حين كان العلم كالإلحاد

والعقل في الشرقّي من أوهامه … كالنسر في الأوهاق والاصفاد

تشقى متى تشقى الشعوب بجهلها … وتعزّ حين تعز بالأفراد

ألساهرين الليل مثل نجومه … فكأنهم للدهر بالمرصاد

ألباذلين نفوسهم لم يسألوا … وعلى النفوس مدارع الفولاد

خفضوا جناحهم وتحت برودهم … همم الملوك وصولة المرّاد

لهم الزمان قديمه وحديثه … ما الناس في الدنيا سوى الآحاد

أنّ الأنام على اختلاف عصورهم … جعلوا لأهل العلم صدّر النادي

ما العيد للخمسين بل عيد النهى … وفنونه والخاطر الوقّاد

عيد الحصافة والصحافة كلّها … في مصر ، في بيروت، في بغداد

ما العيش بالأعوام كم من حقبة … كالمحو في عمر السواد العادي

ألعمر ، إلاّ بالمآثر، فارغ … كالقفر طال به عناء الحادي

وسوى حياة العبقريّ نقيسها … فتقاس بالآجال والآماد