عدِّ عنك الكؤوس – محمد مهدي الجواهري

عَدِّ عنك الكؤوسَ قد طِبتُ نَفسا … واسقينيها مراشفاً لك لُعْسا

ان يُحسَّ الغرامَ قلبي فحقٌّ … خلق اللهُ عَبده لُيحِسّا

لست انسى عيشي ، وخيرُ زَمانٍ … زَمَنٌ طِيبُ عيشهِ ليسَ يُنسَى

حبذا دجلةٌ وعيشيَ رَهْوٌ … طيب الرَوحتين مغدىً وُممسْى

حينَ ايامُنا من الدهر يومٌ … فيه تُستَفرغ الكؤوس وتُحسى

يَحسَب الشَربُ أنهم علموا الغيب … وهم يخطئون ظَنّاً وَحدْسا

طاف وهناً بها علينا إلى أن … لم يكد أن يعي من القوم حِسا

عيَّ منا اللسانُ فالكل خُرْسٌ … ينقُلون الحديثَ رَمزاً وهَمسْا

رمتُ كأساً ومذ تلجلجتُ اوميت … بكفي فظنّني رُمتُ خَمسا

فأتاني بها فلمْ اعترضها … حذراً أن يكونَ مثليَ جبسا

إن ردَّ الكريم عارٌ على النَفس … وحاشاي انني صُنتُ نَفسْا

أُفرغَت كالنُضار بل هي أبهى … فعليها لم يوجب الشرعُ خُمسا

ولها في العُروقِ نبضٌ خفيٌ … مثلما يُمسك الطبيبُ المِجَسا

وكأن النديمَ لما جلاها … افقٌ يُطلِعُ المَسرَّةَ شمسا

يا نديمي أمري اليكَ فزدْني … او فدَعني فلستُ أنطقُ نَبسا

لا تقطِّبْ اني ارى الانس جِناً … وتبسَّمْ لأحسَبَ الجنَّ إنسا

ما ترى الفجرَ والدجى في امتزاج … مثل خيطَي ثوب خِلاطاً وَمسَّا

كم أرادَ الصبحُ المُتاحُ انطلاقاً … وأرادت له دَياجيه حَبْسا

ما شربنا الكؤوس الا لانّا … قد رأينا فيها لخديكَ عَكْسا

انتَ تدري حرمانَ ذي العقل في الناسِ … فزدني منها جُنوناً ومَسا

لا تُمِلها عني وفيَّ حَراكٌ … واسقنِها حتى ترانيَ يَبسا

إن عُمْراً مستلطَفاً باعه المرء … بغير الكؤوس قد بيعَ بَخْسا

أنا حِلس الطِلا ولست كشيخ … خلسَ الدينَ وهو يُحسَب حِلسا

لو يبيع الخَمّار دَيناً بدينِ … لاشتراها وباع أخراه وكسْا

ان أحلى مما يسبح هذا الحبرُ … قرْعُ النديم بالكأس جَرْسا

لا تلُم في الطِلا ولا في انتهاكي … ما أبى الله .. اذ نهى ان تُحسّا

ان نيل الحرام أشهى من الحِلِّ … وأحلى نيلاً واعذبُ كأسا

قد طويتُ الحديثَ خوفَ رقيب … يبتغى فيه مطعناً ليَدُسّا

وهجرنا الكؤوسَ لكن لعُرسٍ … هو اصفى كأساً واطيبُ أُنسا

وانتقلنا لكن لبُرج سُعود … قَرنَ الله فيه بدرْاً وشَمسا

هي جَلَّت عُرساً فزيدت بهاءً … دارةُ المجدِ إنهُ جلَّ عُرسا

طاب مُمسى سروره فليبكِّرْ … أبدَ الدهر مُصبِحاً حيث أمسى

لك عمٌّ احيا مزايا ذويه … وأرانا الجدودَ تنفُضُ رمْسا

لا تلمه ان هزَّ للشعر عِطفاً … إنّ فيه من دوحة المجدِ رِسّا

هو اصفَى من اللُجينِ وأوفى … في المعالي من الهضاب وأرسَى

وهو إن ينتسِبْ فمن أهل بيت … اذهبَ الله عنه عاراً ورِجسا

بيت مجدٍ كالبحر طامٍ ولكن … أنت فيه أبا الضيائينِ مَرْسى

يا بنَ بنتٍ البيت الذي كان نَجماً … لكَ سعداً وفي أعاديك نَحسا

لستُ انسى مدحَ الجواد ومن كان … من المدح فرضُه كيف يُنسى

مستفيضُ الندى وكم من يَمينٍ … صخرةٌ زلقَة الجوانب مَلسا

حَيَّرت مادحيكَ رقهُ طبعٍ … تَحلِفُ الخمرُ أنها منه أقسى

قد بلونا سجليكَ قبضاً وبسطا … وخَبَرنا دَهرَيك نُعمى وبُؤسى

فوجدناكَ في الجميع رضيّاً … وحميداً مصَّبحاً ومُمَسَّى

وهززنا في الأريحية غُصناً … ورأينا في الدست رضوى وقُدْسا

وكأن اللغات بتن يفرقن … كما تشتهيه نِعمَ وبئسا

فكسونَ الصديقَ شهماً ونَدْبا … واعدن العَدُوَّ نذلاً ونِكسا

وارتديتَ العلى لباساً وتاجاً … وسواك ارتدى الحريرَ الدِمَقسا

لك كفٌ كالركن فينا فأقصى … منيةِ النَفس عندنا ان تُمَسّا

وبليدٍ لا يكتفي من سَنا النار … بومضٍ حتى يجرِّبَ لمسا

قال هل القنَّه قلتُ : تَعْيَا … قال : حتى غباره قلتُ : نَحسْا

رُوضِّت كُّفه فلولا رجامُ … الناس اقرى بها الطيور وعسا

رِدْ نداه وبطشَه وتُقساه … واتركُنْ حاتِماً وعمراً وقُسّا

وذكرنا في اليوم عُرسَ علىٍّ … فكأنَّ السرورَ قد كان أمسى

حيث مُدّاحه تجول وثوب النحس … يُنضى ومِطرفَ السعد يُكسي

طاب غَرْساً مُصدّقاً لا كمن يُحسَبُ … نُكراً ان قيل قد طاب غَرْسا

هو قاسٍ ان اغضَبُوه ولكن … لو يَهُزّ الصَفَا نَداهُ لحَسّا

لو تكون النجوم بُرداً وتاجاً … لكسيناكَهُنّ عِطفاً ورأسا

ان علوتم فحقكم اولستم … قد رَفَعتم لكعبةِ الله أسُّا

هزني مدحُكم فقلتُ ولا يصلُح … عودُ الغناء حتى يُجَسّا

ايها المقتفُونَ شأْوي هَلمّوا … وخذوا عَنيَ البلاغةَ دَرسْا

انا آليت ان أُعيد رسوماً … منه أضحت بعد ابن حبوبَ دُرسا

انا لا أدَّعي النبوةَ الاّ … أنني أرجعُ المقاويلَ خُرسْا

انا في الشعر فارسٌ إن أغالَب … يكنِ الطبعُ لي مِجَنّاً وتُرسا

كل ُّ محبوكةٍ فلا تُبصرُ المعنى … مُعّمىً ولا ترى اللفظ لَبْسا

واذا ما ارتمت عليَّ القوافي … نلتُ مختارَها وعِفتُ الأخسا

ان اكن اصغرَ المجيدين سِناً … فانا أكبرُ المجيدين نَفْسا

طبقّت شهرتي البلادَ وما … جاوز عمري عشراً وسبعاً وخمساً