عجلتَ بحطّك فيها الرِّحالا – مهيار الديلمي
عجلتَ بحطّك فيها الرِّحالا … أثرها أمنتُ عليك الكلالا
وقُدها محدّبة ً كالقسيِّ … من الضّال تسبي الفيافي نضالا
كما انتحل الشدنيُّ الحنينَ … بطونا خماصا وسوقاً خدالا
ركائب من لا يخاف النها … ر يعلى ولا طارقَ الليل عالا
أعذني فقد كدّني في اللئا … م سومي بها حاجة ً لن تنالا
وإنّ بواسطَ جودا يكون … لرأسٍ عقالا ورجلٍ شكالا
ومجدا إذا المجد كان الغريبَ … لقيتَ به منه حيّاً حلالا
وإلا فصفْ أنت حالي وقل … إن الدهرُ دون منى النفس حالا
أيا جامعاً فرقَ الخافقين … أوانسَ كنَّ شماساملالا
خلتْ تتوافقُ فيها البلادُ … فهاهي فيك اختصاما تقالى
وإنّ لبغدادَ دينا عليك … وقد ضعفتْ أن تطيق المطالا
وفيها وفي أهلها عزّة ٌ … أساء الولاة ُ لها الإبتذالا
تسرَّعْ لإصلاح قومٍ ترى … خلالَ أمورهمُ الاختلالا
سوامٌ تطاولَ نومُ الرعا … ة عن هديهم فتفانوا ضلالا
تداركْ بعدلك أرماقهم … فما أبق النارُ إلا الذُّبالا
غرائس إحسانك الأولون … بجودك أعطوا الحيا والظِّلالا
ومذ لم تزل تبعث المكرما … تِ بينهمُ وتبثُّ النوالا
وترعى لهم حرمة َ الإختلاطِ … بهم والمزارَ لهم والوصالا
عبيدٌ وأنت بحكم الوفاء … تخالهمُ لك عمّاً وخالا
ودار ندى ً لك بل ندوة ٌ … نحرت البدورَ بها لا الفصالا
مراتع يرتادها القانصو … ن صادوا غزالتها والغزالا
تفاني الملوكُ على حبّها … وعقَّ لها ابنٌ أباه قتالا
أما اشتقت مغنى الهوى حيثُ طاب … ومنبتَ غصنِ الهوى حيثُ طالا
أما آن من نازحٍ أن يحنَّ … وللوصل من هاجرٍ أن يُذالا
وبعدك قد أنكرتْ حسنها … وحالت على الطِّيب حالا فحالا
وكانت بعيدا عن الحادثات … فقد أخذ الدهرُ منها ونالا
أعرها بقربك من دائها … شفاءً وإن كان داءً عضالا
وكذِّب على الرغم من حاسديك … أحاديثَ تحسبُ منها المحالا
ومعتبرين بعجز الولا … ة عنها نكولا ومنها نكالا
يسوّون في البطش كلتا اليدين … وينسون فضلَ اليمين الشِّمالا
فظنّوك تعيا بحمل العراق … كأنْ لم يروك حملتَ الجبالا
وأنزلتَ بالعصم العازبا … ت عنها وما طاولتك النزالا
وكم زاحمتها صروفُ الزما … ن قبلُ فكانت عليها ثقالا
ولو لم تكن في العلق السماءَ … لما كان غنمك منها هلالا
سريتَ إليه فكنتَ السّرارَ … له ولبدرٍ أبيه الكمالا
جديد التجارب غرّ اللقا … ءِ ما ردّدته الحروب انتقالا
وأعجبه عددٌ زاده … غداة َ تولَّى هزيماً خبالا
رأى حربك النارَ تذكي فسا … قَ حشدا ليُطفئها واحتفالا
ولم يدرِ مختبطا أنّها … بفضل الوقود تزيد اشتعالا
بعثتَ سيوفا إذا الدهرُ زلَّ … جئن به صاغراً فاستقالا
فداويته من سقام العقوقِ … وعلّمته الصبرَ والإحتمالا
وبدّلتَ من حلقاتِ الدروعِ … خفافاً له الحلقاتِ الثقالا
فقصَّر مشيته مكرها … نتيجة َ أدهمَ بالأمسِ حالا
تؤمل رجلاه جدوى يديه … إذا رفع الخيطَ فترا فشالا
ومذخورة من كنوز الزما … ن جرّ عليها السنينَ الطّوالا
وأودعها الحقَّ مستظهرٌ … توثّق ما اسطاع جهداً وعالى
أقام الكواكبَ حرّاسيها … عيوناً له لا تخاف اغتيالا
وباعَ بها نفسه والنفوسَ … زماناً فأرخصَ منها وغالى
شجاً قائماً في حلوقِ الملوك … إذا حلموا أبصروه خيالا
إلى أن بعثتَ لها آية ً … نسختَ بهديك فيها الضلالا
وعلّمتَ فيها البخيلَ السماح … وحسّنت للكادح الإتكالا
فلا حصَّن الناسُ من بعدها … مآلاً ولا ادخروا قطُّ مالا
وكائن ببغدادَ من آملٍ … ومن زاجرٍ فيك فالا ففالا
ومن عاطشٍ فمه فاغرٌ … يراقب واديك من أين سالا
يعدّ النهارَ بساعاته … يسائلُ عنك الضحى والزوالا
ومثليَ من خادمٍ خاملٍ … ولو طاول النجم بالفضل طالا
ومن جامعٍ حسناتِ الخلال … وقد قبّح الفقر تلك الخلالا
لعلّك تحي الحظوظَ الرفاتَ … وتُسمن هذي الجدودَ الهزالا
تلاشى مع الكرماء الثناءُ … فلا قول معناه أن لا فعالا
وما زال مسئولهم جافيا … وحاشاك حتى جفونا السؤالا
سكتُّ طويلا إلى أن وجدتُ … مقاماً أصدَّق فيه مقالا
لسانٌ حسامٌ ولا مضربٌ … فلو ذاب سيفٌ لذاب انفلالا
أعدَّ لوصفك آياتهِ … ليُظهر صفوا له وانتخالا
وقدَّمَ مستقبلا هذه … شبيه مدحك واقتبالا
تزاحمُ حولك وفدَ الثناء … وإن عدمت في الزحام المنالا
فلا تجعلنْ كثرة َ الزائرين … لها فترة ً وعليها اعتلالا
فمن كان لا غيره في الزما … ن كان الأنامُ عليه عيالا