عتاب مع النفس – محمد مهدي الجواهري

ءعتَبْتُ وماليَ مِن مَعتبِ … على زَمَنٍ حُوَّلٍ قُلَّبِ

أُنلصِقُ بالدهر ما نجتوي … ونختصُّ نحن بما نجتبي ؟

كأنَّ الذي جاء بالمَخْبثاتِ … غيرُ الذي جاء بالطَّيب

وما الدهرُ إلا أخو حَيدةٍ … مُطلٌ على شرَفٍ يرتبي

يُسجّلُ معركةَ الكائناتِ … مثلِ المُسجّل في مَكتب

فما للزمانِ وكفّي إذا … قَبضتُ على حُمةَ العقرب؟

وما للَّيالي ومغرورةٍ … تُجَشِّمُني خَطرَ المركب؟

بِنابيَ، مِن قبلِ نابِ الزمان … ومن قبل مِخلبه مِخلبي

تَفَرَّى أديميَ ، لم أحَترِس … عليه احتفاظاً ولم أحدَب

بناءٌ أُقيمَ بجَهد الجُهود … وَسهرةِ أُمٍّ ورُعْيا أب

وأضْفَتْ عليه الدروسُ الثِقالُ … لوناً من الأدب المُعْجِب

عَدوتُ عليه فهدَّمتُه … كأن ليس لي فيه من مطلب

يداي َ أعانت يدَ الحادثات … فَرُنِّقَ طوع يدي مشربي

أجِد وأعلمُ عِلمَ اليقين … بأني من الدهر في ملعب

وأنّ الحياةَ حَصيدُ الممات … وان الشروقَ أخو المغرب

وإني على قدْر ما كان … بالفُجاءاتِ مِن قَسوةٍ كان بي

بَعثْنَ البَواعثَ يَصْطَدنَني … وأبصرتُ مَنجى فلم أهرب

وثارتْ مُخّيلتي تَدَّعي … بأنَّ التَنزُّلَ مَرعى وبي

وأن الخيانةَ ما لا يجوزُ … وأنَّ التقلّبَ للثعلب

وأنْ ليس في الشرِّ من مغنم … يُعادِلُ ما فيه مِن مَثْلَب

ولما أُخِذْتُ بها وانثنيتْ … نزولاً على حُكمها المُرهِب

ووَطَّنْتُ نفسي ، كما تشتهي … على مَطْعمٍ خَشِنٍ أجْشَب

مشى للِمثالبِ ذو فِطنةٍ … بقوَّةِ ذي لِبد أغلب

جَسورٍ رأي أنّ مَن يَقتحمْ … يُحكَّمْ، ومن يَنكمشْ يُنْهَب

وأفرغَها من صُنوفِ الخِداعِ … والغشَّ في قالبٍ مُذْهَب

فرفَّتْ عليه رَفيفَ الأقاح … في مَنبِت نَضرٍ مُعشِب

تُسمَّى خَلائقَ محمودةً … ويُدعَ ى أبا الخُلُقِ الأطيب

وراحَ سليماً من الموبقات … ورُحتُ كذي عاهةٍ أجرب

ولم أدرهِها عِظَةً مُرَّةً … بأني متى أحَترِسْ أُغلَب

ولكنْ زَعمتُ بأن الزمانَ … دانٍ يُسفُّ مع الهيدَب

ويومٍ لَبستُ عليه الحياةَ … سوداء كاللَّيلة الَغْيهَب

أرى بَسمةَ الفجرِ مثلَ البُكاء … وَشدْوَ البَلابل كالمَنْعب

وبِتُّ عكوفاً على غُمَّتي … حريصاً على المنظر المُكْرِب

وَبعثرتُ هاجعةَ الذكريات … أُفَتّشُ عن شَبَحٍ مُرعِب

حَملتُ همومي على مَنكِبٍ … وهمَّ سوايَ على مَنكِب

ولاشيتُ نفسيَ في الأبعدين … أُفكّرُ فيهمْ ، وفي الأقرب

ولمَّا فَطَنتُ على حالة … تَليقُ بمنتحِرٍ مُحرِب..

نسيتُ بأني اقَترفْتُ الذنوبَ … وانصَعتُ أبحثُ عن مُذنِب

أخذتُ بمخنَق هذا الزمان … لم يفتَكِرْ بي ولم يحسِب

ويومٍ تَنَعَّمْتُ مِن لَذَّةٍ … متى لم أُنعَّمْ بها تذهب

ولمَّا انطوتْ مثلَ أشباهِها … وكلُّ مَسيلٍ الى مَنضَب..

تَخيَّلتُ حِرصاً بأن الزمان … عدوُّ اللُبانةِ والمأرَب

وأنّ الطبيعةَ والكائناتِ … ما يَستبينُ وما يَختبي

تألبنَ يَسلُبْني فُرصةً … من العُمْرِ إنْ تنألا تَقْرُب

وأن الزمانَ مشى مُسرعاً … يُزاحمُ مَوكُبهُ مَوكبي

وأن الكواكبَ طُرّاً سعُدْنَ … ولم يَشْقَ منها سوى كوكبي ّ

وأنيَ لو كنت في غَمرةٍ … مِن الفكر أو خاطرٍ مُتعِب

لقَلَّلَ من خَطوةِ جاهداً … كمشْيَةِ مُثْقلةٍ مُقرب

ورُحتُ أُشبِّهُ ما فاتني … من العيش بالبارق الخُلَّب

مُغاَلطَةً ، إنّ شرَّ العَزاءِ … تعليلُ نفسك بالمُكذَب

وإني على أن هذا المزاج … رمانيَ بالمُرهِق المُنْصِب

وكنتُ على رُغم عُقْمِ الخليِّ … أهوى حياةَ خليٍّ غبي

لأحمِلُ ، للفُرَص السانحاتِ … وللأرْيحيَّة، نفْسَ الصبي

طليقاً من التَبِعات الكثارِ … حُرَّ العقيدة والمذهب

طَموحاً وأعرفُ عُقْبى الطُموح … فلا بالدَّعِيِّ ولا المُعْجَب

تَمَتَّعْتُ في رَغدٍ مُخصِب … وهُذّبتُ في يَبَسٍ مُجدِب

و أفضَلُ من رَوَحاتِ النعيم … على النفس مَسغبَةُ المُترِب

فانْ جِئتُ بالمُوجعِ المشتكي … فقد جئتُ بالمُرقِص المُطرِب

دَع الدهرِ يذهبْ على رِسْلهِ … وسرْ أنتَ وحدكَ في مَذهب

ولا تَحتفِل بكتاباتهِ … أرِدْ أنت ما تشتهي يُكتب

فانْ وَجَدَتْ دَرَّةً حُلوةً … يداك ، فدُونَكَها فاحلِب

فانَّ الحماقةَ أنْ تَنثني … مع الواردينَ ولم تشرَب

تَسَلَّحْ بما اسطعتَ من حيلةٍ … إلى الذئبِ تُعزَى ، أو الأرنب

وإنْ تَرَ مَصلحةً فاصدقنَّ … وإنْ لم تَجِدْ طائلاً فاكذب

ولا بأسَ بالشرِّ فاضرِبْ به … إذا كان لابُدَّ من مَضرَبَ

كلمات: محمد جمزة

ألحان: بليغ حمدي