ظنَّ غداة َ الخيف أن قد سلما – مهيار الديلمي
ظنَّ غداة َ الخيف أن قد سلما … لما رأى سهما وما أجرى دما
فعاد يستقري حشاه فإذا … فؤاده من بينها قد عدما
لم يدرِ من أين أصيبَ قلبه … وإنما الرامي درى كيف رمى
يا قاتلَ الله العيونَ خلقتْ … جوارحاً فكيف صارت أسهما
وراميا لم يتحرَّجْ من دمي … مقتنصا كيف استحلَّ الحرما
أودعني السُّقم ومر هازئا … يقول قم فاستشفِ ماءَ زمزما
ولو أباح ما حمى من ريقه … لكان أشفى لي من الماء اللَّمى
يا بأبي ومن يبيعُ بأبى … على الظما ذاك الزَّلالَ الشَّبما
كأنّما الصهباءُ في كافوره … سحرية ٌ وجلَّ عن كأنَّما
يا نافض البطحاء يبغى خبرا … إن هو أدّاه إليّ غنما
سل بانة الوادي إذا تأوّدت … عن ظبية من القضيبُ منهما
وأين سكّانالحمى من ولهي … بعدهمُ سقيا لسكّان الحمى
توهّموا أن الفراقَ سلوة ٌ … عنهم فلا أحللتُ من توهَّما
وأنَّ عيني ملئت من غيرهم … إذ منعوا إذنْ رأت عيني العمى
قالوا توخَّ الأجرَ واصبر طامعا … والحظ في الهيفاء مع من أثِما
لام ولا يعلمُ فيها ناصحُ … مجتهدٌ أغرى بها لو علما
قال اكنِ عنها فاسمها علامة ٌ … رضيتُ فيها أن أكون علما
اضممُ يدا على الحبيب ما وفى … ضميره واصلَ أو تصرَّما
ولا تدعْ حلَّة َ يومٍ لغدٍ … يأتي بأخرى فالهوى ما قدما
قد غمزَ الدهرُ بنابيه على … عودي فلا خرَ ولا تحطَّما
وفرَّني ريبُ الزمان قارحا … وجذعاً فما أطعتُ اللُّجما
يحكم في حظِّي ما شاءَ فإن … مرَّ بعرضي لم أكن محكَّما
لم تأكل الأيام وفري عسلا … إلا رأت مضغة َ لحمي علقما
حملتُ مجبوبَ الجنوب ظالعا … منها الذي أعيى الجلالَ المقرما
إذا أتى اليومُ بشرٍّ عابسٍ … لقيتهُ منافقا مبتسما
خبرتُ حظّي فسواءٌ سفه ال … دهرُ عليّ عامداً أو حلما
وكيف يرجى النَّصفُ من محكَّم … يعرفُ إلا العدلَ فيما قسما
ومن كريم الصبر عندي أسوة ٌ … بمعشرٍ يعلمون الكرما
هم طرقوا بسودها وحمرها … نوائباً خرساً وخطبا أعجما
فلم يكن للريح وهي عاصف … أن تستلينَ منكبيْ يلملَما
تسربلوا الحزم لها واتخذوا … فيها العزاءَ للعلاء سلَّما
وأقبلوها أوجها بائحة … بالبشر فيها ونفوسا كتُما
حتى رأى الأعداءُ فيما سلبوا … من نعمٍ أن قد أفيدوا أنعما
أسرة مجدٍ لا يرونَ فائتا … من وفرهم والعرضُ باقٍ مغرما
كأنّ ما ينقص من أعدادهم … ومالهم زيَّدهم وتمَّما
إن مات منهم سيَّدٌ قام له … منهم شبولٌ يخلفون الضَّيغما
تزاحموا على العلا واقترعوا … على الندى فانتصفوه أسهما
وارتكضوا يجنِّبونَ الأسدَ في ال … غاباتِ أو يبخِّلون الدِّيما
كلُّ غلام ذاهبٌ بنفسه … حيثُ مضى المجدُ به ويمَّما
إذا أبى طارت به حميَّة ٌ … علويَّة ٌ أقربُ برجيها السما
فإن خبت شمسُ نهارٍ منهمُ … غطُّوا الدجى أهلّة ً وأنجما
أراكة ٌ عبد الرحيم عرقها … ثمَّ زكى الفرعُ الكريمُ ونمى
وكان من ثمارها لما علت … أبو المعالي مورقا ومطعما
كان فتاها مرضعا وكهلها … مثغَّرا وشيخها محتلما
وتاجها المعصوبَ وسوارها … إن رفعتْ رأسا ومدّت معصما
صبا لأصوات العفاة سمعه … كأنما يؤنس منها نغما
واستصغروا الدنيا فلو جاد بها … موهوبة ً لم يعتقبها ندما
أوجعُ من ضمٍّ على جمر الغضا … في حسّه كفٌّ تضمُّ درهما
تعلَّم النسيمُ من أخلاقه … حتى صفا والغيثُ حتى كرُما
لو أسخطتك يده وحوشيتْ … أرضاك أو زادك وجها وفما
إذا افتقدتَ نصره لغاية ٍ … داس لها النار وخاضَ الفحما
لله أنتَ مقبلا على الندى … بوجهه والدهرُ قد تجهَّما
وقائما فداعما بيده … ماثلَّ من عرش العلا وهدما
أجدبتِ الحال فلم تأسَ غنى ً … نفسٌ أكنتَ واجدا أو معدما
أو لم تسعْ مالا فأوسعتَ به … بشرا فكنتَ مانعا ومنعما
وخبثتْ سرائرٌ فلم تكن … لله في تدبيره متَّهما
لا جرما وإن ذوتْ دولتكم … لترجعنَّ غضَّة ً لا جرما
لا بدّ أن يجمع حظٌّ شاردٌ … ضلَّ وان يقلعَ دهرٌ أجرما
وأن تحنَّ نعمة ٌ قد فارقتْ … أوطانها حتى تعودَ أنعما
إذا سلمتم أنفسا وحسبا … فقد سلمتم نشبا ونعما
فإن أصاب فرصة ً بشمتهِ … عدوُّكم فطالما قد رغما
توقَّعوا عودَ إيابِ عزّكم … وليتوقَّع غيظه المضرَّما
كأنني من خلل الغيبِ أرى … شمسَ الضحى تفتقُ هذي الظُّلما
عيافة ٌ ما كذبتني فيكمُ … قطّ ولا زجرتُ منها أشأما
وواعدٌ من الأماني لم يكن … خالا ولا ضاغثتُ منه حلما
فاسمع لها بشارة ً من صادقٍ … صحّ على السَّبر لكم وسلما
لم يزوِ وجها عنكمُ وقد هفا ال … دَّهرُ بكم ولا أزلَّ قدما
ولا ونى مكاشفا عدوُّكم … بمدحكم معْ كونه محتشما
لا يرهبُ القاهرَ من سلطانه … ولا يبالي سيفه المنتقما
وكيف أخشى الأمرَ واللهُ معي … يعلم أنّى فيه أرعى الذمما
وحرّة من الكلام سهلة … ليست على كلّ فمٍ تكلَّما
يحذرُ منها العصمُ فرطَ خدعي … يا للرجالِ من يحطُّ العصما
أشقى بمعناها ويحظى معشرٌ … ينتحلون اسما لها مقتسما
هل نافعٌ لي حسنُ إفصاحي بها … إذا غدا حظّي بها مجمجما
جاءتك في حبيرة ٍ تسحبها … سحبَ اليماني برده المسهَّما
فاجتليها كما اجتليتَ قبلها … بكرا فضضتَ عذرها وأيِّما
يلقاك وجهُ المهرجان سافرا … عنها ويلقَ معشرا ملثَّما
واسلم لألفٍ مثلها في مثله … تعدُّها مواليا منتظما