شبح – إيليا أبو ماضي

بأبي خيال لاح لي متلفّفا … بعياءة من عهد فخر الدين

يمشي على مهل ويرسل طرفه … في حيرة المستوحش المحزون

من أنت يا شبحا كئيبا صامتا؟ … قل لي فإنّك قد أثرت شجوني

أخيال خصم أتّقي نزواته؟ … أم أنت ، يا هذا، خيال خدين؟

فأجابني مترفّقا متحبّبا … فسمعت صوت أب أبرّ حنون

يا شاعري قل للألى هجروني … أنا ما نسيتكم فلا تنسوني

ما بالكم طوّلتم حبل النوى … يا ليت هذا الحبل غير متين

قد طفتم الدنيا فهل شاهدتم … جبلا عليه مهابني وسكوني؟

أوردتم كمناهلي ؟ أنشقتم … كأزاهري في الحسن والتلوين؟

ولقد تظلّلتم بأشجار فهل … رفّت غصون فوقكم كغصوني؟

وسمعتم شتّى الطيور صوادحا … أسمعتم أشجى من الحسّون؟

هل أنبتت كالأرز غيري بقعة … في مجده وجلاله الميمون؟

أرأيتم في ما رأيتم فتنة … كالبدر حين يطلّ من صنّين؟

أو كالغزالة وهي تنقض تبرها … عند الغيب على ذرى حرمون؟

مرّت قرون وانطوت وكأنني … لمحاسني كوّنت منذ سنين

أبليتها وبقيت ، إلاّ أنّني … للشوق كاد غيابكم يبليني

لبنان لا تعذل بنيك إذا هم … ركبوا إلى العلياء كلّ سقين

لم يهجروك ملالة لكنّهم … خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون

ورثوا اقتحام البحر عن فينقيا … أمّ الثقافة مصدر التمدين

لّما ولدتهم نسورا حلّقوا … لا يقنعون من العلى بالدون

والنسر لا يرضى السجون وإن تكن … ذهبا، فكيف محاسن من طين؟

ألأرض للحشرات تزحف فوقها … والجوّ البازي وللشاهين

فأجابني والدمع ملء جفونه … كم ذا تسلّيني ولا تسليني؟

أنا كالعرين اليوم غاب أسوده … وتفرّقوا عنه لكلّ عرين

ألأرمنّي على سفوحي والربى … يبني الحصون لنفسه بحصوني

وبنو يهوذا ينصبون خيامهم … في ظلّ أوديتي وفوق حزوني

وبنّي عنّي غافلون كأنّني … قد صرت في الأشياء غير ثمين

أنتم ديون لي على آميركا … ومن المروءة أن تردّ ديوني

أو ليس من سخر القضاء وهزته … أن يأخذ المثرى من المسكين؟

عودوا فإنّ المال لا يغنيكم … عنّي، ولا هو عنكم يغنيي

…فشجيت مّما قاله لكنّني … لّما رأيتكم نسيت شجوني

لبنان فيكم ماثل إن كنتم … في مصر أو في الهند أو في الصين

إن بنتم عنه فما زال الهوى … يدنيكم منه كما يدنيني

وحراككم لعلائه وسكونكم … وإلى ثراه حنينكم وحنيني

لو أمست الدنيا لغيري كلّها … ورباه لي ما كنت بالمغبون

أنا في حمالكم طائر مترنّم … بين الأقاح الغضّ والنسرين

أنتم بنو وطني وأنتم إخوني … وأنا امرؤ دين المحبّة ديني

كلمات: الناصر

ألحان: عبد الرب ادريس