شاعر القمح – جمال مرسي

أنا المُبتَلَى بالقصِيدَةْ .

فهل مِن مُداوٍ لمثلِ ابتلائِي ؟

و هل مِن طبِيبٍ يُخلِّصُنِي مِن عنائِي و دَائِي ؟

و هل يعلمُ النَّاقِمونَ

بأنِّي سَكَبتُ المشاعرَ لا لأُتاجِرَ

لا ،

أو أُرائِي .

و لا بِعتُ شِعري ببَخسٍ لأُرضِيَ ذا صَولجانٍ

و لا فِي المراقِصِ علَّقتُ صوتَ قصِيدِيَ

فوقَ حناجِرِ أَهلِ البِغاءِ

و ما كنتُ أَسعَى إِلى شُهرةٍ

ترفعُ اسميَ فوقَ رُؤوسِ البرَايا

و تنقُشُهُ فوقَ نجمِ السَّماءِ .

فلِمْ تقطعونَ ورِيدَ حُروفي ؟

و لِمْ تركضُونَ ورائِي ؟

و ما كنتُ غيرَ امرِئٍ مُبتلىً بالقصيدهْ .

أُفتِّشُ في بحرِها عن معانٍ جدِيدهْ .

و أرسُمُها وطناً ـ لا حُدودَ لهُ ـ

أو خريِدَهْ .

و أجعلُها شوكةً في حُلوقِ المُغاليِنَ

أو جمرةً في جُفونِ المُرائي .

أَنَا شاعرٌ يزرعُ القمحَ ،

قمحَ البشائِرِ

يروِيهِ ماءَ المشاعِرِ

في تُربةِ الفقراءِ

فتنمُو سنابلُهُ في القُلوبِ

و تنثرُ فِي ذا الفضاءِ طُيوبِي

و تبعثُ في النَّفسِ مَيْتَ الرَّجاءِ .

أَنَا شاعرٌ صَدقَ الشِّعرَ وعدا

أَخذتُ على عاتِقِي أَن أَكونَ

لروضِ القصائدِ وَرداً

و وِردا

فيجرِي بوديانِها عذبُ مائِي .

و لم يخلعِ الشِّعرُ فوقِيَ

أَرديَةً من ثراءِ .

فلِمْ تقطعونَ وريدَ حُروفِي ؟

و لِمْ تركضُونَ ورائِي ؟

خُذوا كُلَّ هذِي الدَّواوِينِ عنِّي

خُذوا كُلَّ فنِّي

خُذوا قَلَمِي ، ورقِي ،

هذِه الكُتْبَ نبعَ العطاءِ

خُذوا ما تشاءونَ منِّي

و لن تستطِيعوا سبيلاً إلى كِبرِيائِي .

أنا شاعرُ القمحِ رغم الخناجِرِ

تطعنني من ورائي .

سأبقى كسُنبلةٍ جِذرُها في الرَّمادِ

و حبَّاتُها في السَّماءِ .