الهدم لا يعني النهاية – جمال مرسي

لن أسكبَ الدمعَ كي أبكيكِ يا داري … ولا لأُطْفِئَ في جوْفي لظى ناري

لكنْ لأرويَ بالدمعِ السخينِ هنا … في ساحةِ الموتِ بعد الهدمِ أزهاري

أبكي ؟، وماذا يفيدُ الحزنُ في زمنٍ … قد ألْقَمَتْ جَوْفَهُ صمتاً يدُ العارِ ؟

فطأطأَ الرأسَ في ذُلٍّ و في خَوَرٍ … وأغمضَ العينَ عن أفعالِ أشرارِ

يا ناقلاً صورةَ البيتِ الذي اْنهَدَمَتْ … جدرانُهُ فوقَ أطفالي و أطياري

بألفِ طلقةِ حِقْدٍ كان صَوَّبَها … في هجعةِ الليلِ وحشٌ آثِمٌ ضاري

هل تستطيعُ إذا ما كنت مُقتَدِراً … أن تنقِلَ الجُرْحَ في تقريرِ أخبارِ ؟

هُنا ستُنبيكَ أحجارٌ بما صَنَعَتْ … معاولُ الهدمِ ، فاسمعْ قولَ أحجارِ

وانظرْ هناكَ بذاكَ الركنِ ، وا عَجَباً … يا كم طوى قلبُهُ مليونَ تذكارِ

كم قِصَّةٍ في سكونِ الليلِ قد نُسِجَتْ … و كم سَبَحْتُ بِهِ في بحرِ أشعارِ

و كم سمعتُ نداءَ الفجرِ مؤتَلِقاً … من شُرْفَةٍ سَبَّحّتْ للخالِقِ الباري

حتّى بَدَتْ و كأنَّ الصُّبْحَ وضَّأَها … للهِ ساجِدَةً من خلفِ أستارِ

أين ابتسامُ الضُّحى إنْ زارَ غُرفَتَنا … فأرسلَ الشدْوَ ممزوجاً بأنوارِ ؟

انظُرْ فأنقاضُها أفشَتْ سرائِرَها … صراحةً ، مثلما ضَنَّتْ بأسرارِ

انظُرْ إلى فِعْلِهِمْ عمداً بمُصحَفِنا … يا ويلَ صُهيون من ثأري و من ناري

قد كان ” أحمدُ ” نصفَ الليلِ يقرأُهُ … و يُكملُ الليلَ في حمدٍ و أذكارِ

ما كان يعلمُ أنَّ الموْتَ سابِقُهُ … إلى مُصَلاّهُ في أثوابِ غدارِ

لا زلتُ أذكرُ سطراً في وصيَّتِهِ … القُدس يا زوجتي أغلى من الدارِ

أَوْصِي بها ” خالداً ” في كلِّ آونةٍ … كي يقتفي للعُلا والمجدِ آثاري

قولي لوردتنا إن أنجَبَتْ وَلَداً … يا ” فاطمُ ” انتَهِجي دربي و أفكاري

كي يكبُرَ الطفلُ والأوطانُ في دَمِهِ … يُعلي بيارِقَها في كلِّ مضمارِ

أوصيكِ أن تحفظي عهدي و موعدُنا … في جنَّةِ الخُلدِ عند الكوثَرِ الجاري

يا ناقلاً صورة التشريدِ ، معذرةً … يكفيكَ ما قُلْتُهُ ، فاذهبْ إلى الجارِ

قد تحكي زوجتُهُ عمّا أحاقَ بها … مثلي ، فمحنتُها لحنٌ بقيثاري

كلٌّ يُرددهُ ، والكلُّ يسمعهُ … و الكلُّ في غفلةٍ يلهو بأقداري