سقوط ارضروم – إيليا أبو ماضي
أعد حديثك عندي أيّها الرّجل … وقل كما قالت الأنباء والرّسل
قد هاج ما نقل الرّاوون بي طربا … ما لأجمل الرّسل في عيني وما نقلوا
فاجمع رواياتهم واملأ بها أذني … حتى تراني كأنّي شارب ثمل
دع زخرف القول فيما أنت ناقله … إنّ المليحة لا يزري بها العطل
فكلّ سمع إذا قلت ((السّلاف)) فم … وكلّ قول، إليهم ينتهي ، عسل
لا تسقني الرّاح إلاّ عند ذكرهم … أو ذكر قائدهم أو ذكر ما فعلوا
هم المساميح يحي الأرض جودهم … إذا تنكّب عنها العراض الهطل
هم المصابيح تستهدي العيون بها … إذا كفهرّ الدّجى واحتارت المقل
هم الغزاة بنو الصّيد الغزاة، بهم … وبطشهم بالأعادي، يضرب المثل
قوم يبيت الضّعيف المستجير بهم … من حوله الجند والعسّالة الذّبل
فما يلم بمن صافاقهم ألم … ولا يدوم لمن عاداهم أمل
تدري العلوج إذا هزّوا صوار مهم … أيّ الدّماء بها في الأرض تنهمل
أيطلب التّرك أن تعلو … أهلّتهم… … … …
((وللغرندق)) رأي مثل صارمه … يزلّ عن صفحتيه الحادث الجلل
المقبل الصّدر، والأبطال ناكصة … تحت العجاجة لا يبدو لها قبل
والباسم الثّغر ، والأشلاء طائرة … عن جانبيه وحرّ الطّعن متّصل
سعد السّعود على السّؤال طالعه … لكنّه في ميادين الوغى زحل
في كلّ سيف سوى بتّاره فلل … وكلّ رأي سوى آرائه زلل
يا ابن الملوك الألى قد شاد واحدهم … ما لم تشيّده أملاك ولا دول
وقائد الجيش ما للريح منفرج … فيه ، ولكن لها من حولها زجل
موهّم الترك لّما حان حينهم … أن الألى وتروا آباءهم غفلوا
حتّى طلعت من ((القوقاس)) في لجب … تضيق عنه فجاج الأرض والسّبل
فأدركوا أنّهم ناموا على غرر … وأنّك البدر في الأفلاك تنتقل
يا يوم صبّحتهم والنّقع معتكر … كأنّه اللّيل فوق الأرض منسدل
ليل يسير على ضوء السّيوف به … ويهتدي بالصّليل الفارس البطل
بكلّ أروع ما في قلبه خور … عند الصّدام ، ولا في زنده شلل
وكلّ منجرد في سرجه أسد … في كفّه خذم، في حدّه الأجل
وكلّ راعفة بالموت هادرة … كأنّها الشّاعر المطبوع يرتحل
سوداء تقذف من فوهاتها حمما … هي الصّواعق إلاّ أنّها شعل
لا تحفظ الدّرع منها جسم لا بسها … ولا ينجي الحصون الصّخر والرّمل
فالبيض تأخذ منهم كيفما انفتلت … والذّعر يمعن فيهم كيفما انفتلوا
وكلّما وصلوا ما انبتّ باغتهم … ليث يقطع بالفصّال ما وصلوا
فأسلموا(( أرضروما)) لا طواعية … لو كان في وسعهم إمساكها بخلوا
كم حوّطوها وكم شادوا الحصون بها … حتّى طلعت فلا حصن ولا رجل
وفرّ قائدهم لّما عرضت له … كما يفرّ أمام القشعم الحجل
ومن يشكّ بأنّ الوعل منهزم … إذا التقى الأسد الضّرغام والوعل؟
لم يقصر الزّمح عن إدراك مهجته … لكت حمى صدره وقع الظّبى ، الكفل
تعلّم الرّكض حتّى ليس تلحقه … هوج الرّياح ولا خيل ولا إبل
يخال من رعبة الأطواد راكضة … معه وما ركضت قدّامه القلل
ويحسب الأرض قد مادت مناكبها … كذاك يمسخ عبن الخائف الوجل
وبات((أنور)) في ((يلديز)) مختبئا … لأمّه وأبيه الشّكل والهبل
يطير، إن صرّت الأبواب ، طائره … ويصرخ ((الغوث))لا إمّا وسوس القفل
في جفنه أرق ، في نفسه فرق … في جسمه سقم، في عقله دخل
في وجهه صفرة حار الطّبيب بها … ما يصنع الطّبّ فيمن داؤه الخبل؟
لم يبق فيه دم كيما يجمعه … في وجهه ، عند ذكر الخيبة ، الخجل
يطوف في القصر لا يلوي على أحد … كأنّه ناسك في القفر معتزل
لا بهجة الملك تنسيه هواجسه … ولا تروح عنه الأعين النّجل
يزيد وحشته إعراض عوّده … وينكأ الجرح في أحشائه العذل
إذا تمثّل جيش التّرك مندحرا … ضاقت به، مثلما ضاقت بذا، الحيل
يا كاشف الضّرّ عمن طال صبرهم … على النّوائب ، لا مرّت بك العلل
أطلقتهم من قيود الظّلم فانطلقوا … وكلّهم ألسن تدعو وتبتهل
لو كان ينشر ميتا غير بارئه … نشرت، بعد الرّدى ، أرواح من قتلوا
بغى عليهم علوج التّرك بغيهم … لم يشحذوا للوغى سيفا ولا صقلوا
خانوهم وأذاعوا أنّهم نفر … خانوا البلاد بما قالوا وما عملوا
يا للطّغام ويا بهتان ما زعموا … متى أساء إلى المخلب الحمل؟
أجدّكم ، كلّما جوّ خلا، ((أسد)) … وجدّكم ، كلّما شبت، وغى، ((ثعل))؟
قد جاء من يمنع الضّعفى ويرغمكم … إن تحملوا عنهم النّير الذي حملوا
أمّنت (( أرمينيا)) مّما تحاذره … فلن تعيث بها الأوغاد والسّفل
ظنّوك في شغل حتّى دهتهم … فأصبحوا ولهم عن ظنّهم شغل
مزّقت جمعهم تمزيق مقتدر … على المهنّد ، بعد اللّه، يتّكلى
فهم شراذم حيرى لا نظام لها … كأنّهم نور الآفاق أو همل
ألسنتهم ثوب عار لا تطهّره … نار الجحيم ولو في حرّها اغتسلوا
((جاويد)) فوق فراش الذّلّ مضطجع … و((طلعت)) برداء الخوف مشتمل
أتستقر جنوب في مضاجعها … وفي مضاجعها الأرزاء والغيل؟
وتعرف الأمن أرواح تروّعها … ثلاثة : أنت والنّيران والأسل؟
لو لم تقاتلهم بالجيش قاتلهم … جيش بغير سلاح إسمه الوهل
أجريت خوف المنايا في عروقهم … فلن يعيش لهم نسل إذا نسلوا
قد مات كهلهم من قبل ميتته … وشاخ ناشئهم من قبل يكتهل
وقد ظفرت بهم والرّأس مشتعل … كما ظفرت بهم والعمر مقتبل
فتح تهلّت الدّنيا به فرحا … فكلّ ربع، خلا ((أستانة)) جذل
الشّعب مبتهج، والعرش مغتبط … وروح جدّك في الفردوس تحتفل..