زارت سكينة أطلاحا أناخ بهم – الفرزدق

زَارَتْ سُكَيْنَةُ أطْلاحاً أناخَ بهِمْ … شَفَاعةُ النّوْمِ للعَيْنَينِ وَالسّهَرُ

كَأنّمَا مُوّتوا بالأمسِ إذْ وَقَعُوا، … وَقَدْ بَدَتْ جُدَدٌ ألوَانُهَا شُهُرُ

وَقد يَهيجُ على الشّوْقِ، الّذي بَعَثَتْ … أقْرَانُهُ، لائِحَاتُ البَرْقِ وَالذِّكَرُ

وَسَاقَنا مِنْ قَساً يُزْجي رَكائِبَنَا … إلَيكَ مُنتَجِعُ الحاجاتِ وَالقَدَرُ

وَجَائِحاتٌ ثَلاثٌ مَا تَرَكْنَ لَنَا … مالاً بهِ بَعْدَهُنّ الغَيْثُ يُنْتَظَرُ

ثِنتانِ لمْ تَتْرُكَا لَحماً، وَحاطِمَةٌ … بالعظمِ حَمرَاءُ حتى اجتيحت الغُرَرُ

فَقُلْتُ: كيفَ بأهلي حينَ عَضّ بهِمْ … عَامٌ لَهُ كُلُّ مَالٍ مُعَنِق جَزَرُ

عَامٌ أتَى قَبْلَهُ عَامَانِ مَا تَرَكَا … مَالاً وَلا بَلّ عُوداً فِيهِما مَطَرُ

تَقُولُ لَمّا رَأتْني، وَهْيَ طَيّبَةٌ … على الفِرَاشِ وَمِنِا الدّلُّ والخَفَرُ

كَأنّني طَالِبٌ قَوْماً بِجَائحَةٍ، … كَضَرْبَةِ الفَتْكِ لا تُبقي وَلا تَذَرُ:

أصْدِرْ هُمومَكَ لا يقْتُلْكَ وَارِدُهَا، … فكُلُّ وَارِدَةٍ يَوْماً لَهَا صَدَرُ

لَمّا تَفَرّقَ بي هَمّي جَمَعْتُ لَهُ … صَرِيمَةً لمْ يَكُنْ في عَزْمها خَوَرُ

فَقُلْتُ: ما هُوَ إلاّ الشّأمُ تَرْكَبُهُ، … كَأنّمَا المَوْتُ في أجْنَادِهِ البَغَرُ

أو أنْ تَزُورَ تَمِيماً في مَنَازِلِهَا، … بِمَرْوَ، وَهيَ مَخوفٌ، دُونَها الغَرَرُ

أوْ تَعطِفَ العِيسَ صُعراً في أزِمّتِها … إلى ابنِ لَيلى إذا ابزَوْزى بكَ السّفرُ

فَعُجْتُهَا قِبَلَ الأخْيَارِ مَنْزِلَةً، … وَالطّيّبي كُلِّ مَا التاثَتْ بهِ الأُزُرُ

قَرّبْتُ مُحلِفَةً أقْحَاد أسْنُمِهَا، … وَهُنّ مِنْ نَعَمِ ابْنَيْ دَاعِرٍ سِرَرُ

مِثْلُ النّعَائِمِ يُزْجِينَا تَنَقُّلَهَا … إلى ابنِ لَيلى بِنَا، التّهْجيرُ وَالبُكَرُ

خَوصاً حَرَاجيجَ ما تَدري أما نَقِبَتْ … أشكَي إلَيها إذا رَاحَتْ أمِ الدَّبَرُ

إذا تَرَوّحَ عَنها البَرْدُ حُلّ بِهَا … حَيْثُ التَقَى بَأعالي الأسهُبِ العَكَرُ

بحَيثُ ماتَ هَجيرُ الحَمضِ وَاختلطتْ … لَصَافِ حَوْلَ صَدى حَسَانَ وَالحفرُ

إذا رَجا الرّكْبُ تَعرِيساً ذكرْتُ لَهُمْ … غَيْثاً يَكونُ على الأيْدي له دِرَرُ

وَكَيْفَ تَرْجونَ تَغميضاً وَأهْلُكُمُ … بحيثُ تَلْحَسُ عَنْ أوْلادِها البَقَرُ

مَلْقوْنَ باللَّبَبِ الأقْصَى، مُقابِلُهمْ … عِطْفاً قَساً، وَبِرَاقٌ سَهلَةٌ عُفَرُ

وأقرَبُ الرّيفِ منهمْ سَيرُ مُنجَذِبٍ … بالقَوْمِ سَبْعَ لَيَالٍ رِيفُهُمْ هَجَرُ

سِيرُوا فإنّ ابنَ لَيلى مِنْ أمامِكُمُ، … وَبَادِرُوهُ فَإنّ العُرْفَ مُبْتَدَرُ

وَبَادِرُوا بابنِ لَيلى المَوْتَ، إنّ لَهُ … كَفّينِ مَا فِيهِمَا بُخْلٌ وَلا حَصَرُ

ألَيْسَ مَرْوَانُ وَالفارُوقُ قَدْ رَفَعَا … كَفّيْهِ، وَالعُودُ ماءَ العِرْقِ يَعتصِرُ

ما اهتَزّ عُودٌ لَهُ عِرْقانِ مِثْلُهُما، … إذا تَرَوّحَ في جُرْثُومِهِ الشّجَرُ

ألفَيْتَ قَوْمَكَ لمْ يَترُكْ لأثْلَتِهِمْ … ظِلٌّ وَعَنْهَا لِحَاءُ السّاقِ يُقتَشَرُ

فَأعْقَبَ الله ظِلاًّ فَوْقَهُ وَرَقٌ، … مِنْهَا بِكَفّيْكَ فيه الرّيشُ وَالثّمَرُ

وَمَا أُعِيدَ لَهُمْ حَتى أتَيْتَهُمُ، … أزْمانَ مَرْوَانَ إذْ في وَحْشِا غِرَرُ

فَأصْبَحُوا قَدْ أعَادَ الله نِعمَتَهُمْ … إذْ هُمْ قُرَيشٌ وَإذْ مَا مثلهمْ بشَرُ

وَهُمْ إذا حَلَفُوا بالله مُقْسِمُهُمْ … يَقُولُ: لا وَالذي مِنْ فَضْلهِ عُمَرُ

على قُرَيشٍ إذا احتَلّتْ وَعَضّ بهَا … دَهْرٌ، وَأنْيَابُ أيّامٍ لَهَا أثَرُ

وَمَا أصَابَتْ مِنَ الأيّامِ جَائِحَةٌ … للأصْلِ إلاّ وَإنْ جَلّتْ سَتُجتَبَرُ

وَقد حُمِدتَ بأخلاقٍ خُبِرْتَ بِهَا، … وَإنّمَا، يا ابن لَيلى، يُحمَدُ الخَبَرُ

سَخاوَةٌ من نَدى مَرْوَانَ أعْرِفُهَا، … وَالطّعْنُ للخَيْلِ في أكتافها زَوَرُ

وَنَائِلٌ لابنِ لَيْلى لَوْ تَضَمّنَهُ … سَيْلُ الفُرَاتِ لأمْسَى وَهوَ مُحتَقَرُ

وكان آلُ أبي العاصي إذا غَضِبُوا، … لا يَنْقُضُونَ إذا مَا استُحصِدَ المِرَرُ

يَأبَى لهُمْ طُولُ أيْديهِمْ وَأنّ لهُمْ … مَجْدَ الرِّهَانِ إذا ما أُعظِمَ الخَطَرُ

إنْ عاقَبُوا فالمَنايا مِنْ عُقُوبَتِهِمْ، … وَإنْ عَفَوْا فَذوْو الأحلامِ إنْ قَدرُوا

لا يَستَثِيبُونَ نُعماهُمْ إذا سَلَفَتْ، … وَلَيْسَ في فَضْلِهِمْ مَنٌّ ولا كَدَرُ

كَمْ فَرّقَ الله مِنْ كَيْدٍ وَجَمّعَهُ … بِهمْ، وَأطْفَأ مِنْ نَارٍ لهَا شَرَرُ

وَلَنْ يَزَالَ إمَامٌ مِنهُمُ مَلِكٌ، … إلَيْهِ يَشُخَصُ فَوْقَ المِنبَرِ البَصَرُ