ذكرى دمشق الجميلة – محمد مهدي الجواهري
كؤوسُ الدمعِ مُتْرَعةٌ دِهاقُ … وللحزنِ اصطباحٌ واغتباقُ
مضى ” فرْعَوْنُ ” لم تَفقِدْهُ مصرٌ … ولا ” هارونُ ” حنَّ له العراق
أُديف ” الرافدان ” فلن يرادا … ولا ” بردى” من البلوى يُذاق
وكيف يَلَذُّ للوُرّادِ ماءٌ … عليهِ من بنيهِ دمٌ يُراق
ثباتاً يا دِمَشقُ على الرزايا … وتوطيناً وإن ضاق الخناق
وفوزاً بالسِّباق وليس أمراً … غريباً أن يكونَ لكِ السباق
دمشقُ وأنتِ غانيةٌ عروسٌ … أمشتبك الحرابِ لكِ الصََّداق؟
أذنباً تحسبون على البرايا … إذا ما ضويقوا يوماً فضاقوا
بعين اللهِ ما لقيتْ شعوب … لحد السيف مكرهةً تُساق
عجافاً أُطلقت ترعى ولكن … معاهدة القويّ لها وَثاق
وعيقَتْ مُذْ بَغَتْ حقاً مضاعا … وساموها الدمار فلمْ يُعاقوا
ذروا هذي الشعوبَ وما اشتهته … مذاقُهُمُ لهمُ ولكم مذاق
تحررتِ البلادُ سوى بلادٍ … ذُيولٍ شانهن الالتحاق
أبابُ الله يُفتح للبرايا … وعن هذي البلاد به انغلاق
وكيف تسير مطلقةً بلادٌ … عليها من احابيلٍ نطاق
فيا وطني ومن ذكراك روحي … إذا ما الروحُ أحرجها السياق
أُشاق إلى رُباكَ وأيُّ حرٍّ … أقَلَّتهُ رُباك ولا يُشاق
ويا جوَّ العراقِ وكنت قبلاً … مداواةُ المراض بك انتشاق
لقد خَبُثَتْ الأنفاسُ حتى … لروحي منك بالروح اختناق
على ” مدنية ” زهرت وفاقا … سلامٌ كلما ذُكرَ الوفاق
تولى أسّها الباني اعتناء … وشيد ذِكْرَها الحَسَنَ اتفاق
أُشاق لها اذا عنَّت خيامٌ … وأذكرها اذا حنَّت نِياق
تغشتها النزاهةُ لم تَشُبْها … أساليبٌ كِذابٌ واختلاق
كما شيّدتُمُ شِدْنا وزِدنا … ولكن ما لقينا لم تلاقوا
وما سِيانِ بالرفق امتلاكٌ … لمملكة وبالسيف امتشاق
سلوا التاريخَ عن شمس أُديلت … وعن قمر تَعاوَرَهُ المحاق
هل الأيامُ غيّرتِ السجايا … وهل خَشُنَتْ طباعُهُمُ الرِقاق
وهل إفريقيا شهِدت سَراةً … بها كالعرب مذ عُبِرَ الزُّقاق
غداةَ البحر تملِكه سفينٌ … لنا والبر تحرُسُهُ عتاق
و ” طارقُ ” ملؤُهُ نارٌ تَلَظَّى … وحشوُ دروعِه سمٌّ ذُعاق
بأنْدَلُسٍ لنا عرشٌ وتاجٌ … هوى بهما التخاذلُ والنفاق
هما شيئان ما اجتمعا لشعبٍ … فاما الملكُ فيهِ أو الشقاق
أولئك مَعشرٌ سَكرِوا زماناً … وناحُوا ملكَهُم لما أفاقوا
فانْ كُتِبَ الفراقُ لنا فصبراً … على كل الورى كُتِبَ الفراق
لنا شوق إذا ذكروا رباها … وإنْ نُذكَرْ لها فلها اشتياق
يُطاق تقلبُ الأيام فينا … وأما أنْ نَذلَّ فلا يُطاق