ذكرتُ أسىً وبعض الأمر يُنسِي – ابن شيخان السالمي

ذكرتُ أسىً وبعض الأمر يُنسِي … وما في الدهر داتمةٌ لأُنسِ

يروم المرء آمالاً طِوالاً … ودنياهُ تُقاضيه بعكسِ

لكلٍّ نية يبني عليها … ولم يقم البناء بغير أُسِّ

ومن يغرس أصول الشر يجني … ثمار الحزن يانعةً بغرسِ

وشتان الذي يبني دياراً … ومن يسعى لتخريب ودرسِ

ومن طلب العلاء بلا محل … أعادته مطالبه لركسِ

وبعض الناس يخطب بنت عز … فما أعطته منها غير رفسِ

ومن لم يحفظ النعما بشكر … فما أولاه أن يرمى بتعسِ

وبعض الداء يبرأ بالتداوي … وبعض منه مردود بنكسِ

وفَلْسُ المرء جُنْدٌ وهو صَرْفٌ … ولم تقم الجنود بغير فلسِ

وللتدبير فوق المال فضل … فكيف إذا هما اجتمعا بنفسِ

ومن يُجِع الجنود وهم حماةُ … تفرَّق أمره ودُهي بنحسِ

ولم تقم الجنود بلا أمير … ولم تقم الفروع بغير قنسِ

ومني ملك لواء الرأي يمضي … ولم يحفل بعامي وعرسِ

وللعقبى عقول عارفات … بما يأتي بتخمين وحَدْسِ

إذا شبَّت لظى الهيجاء شابت … رؤوس غُذِّيت بصباً وأنسِ

هنالكم المحامد والمخازي … ويُقْذَف غِشُّ رِعديد ونِكسِ

لقد طلّقت أحزاني ببيت … وسيع الأمن وهو بدار حبسِ

لبثت بها بصلح من زماني … وأيَّامي بهَا أيام عرسِ

وما دار المضيبي في قراها … علاً إلا كملك فوق كرسي

كسَاها الله بُرْداً من أمان … يمدُّ بكف تنقية وقدسِ

فإن تُشرِْف عليها من بعيد … حسبت غمامة حدقت بشمسِ

إذا ما زادها ضيف بليل … قرته بطيب زاد غير ممسِ

وليسَ بها أذى حر وبرد … ولا الحشرات تأويها لضرسِ

بصفحتها مسايل طيبات … كمثل مسايل كتبت بطرس

إذا نسَماتها هبت بليل … تضوّع عطرُها في كل جنسِ

تراهم في مسايلها نشاوى … بأجفان من النسماء نُعْسِ

وعادتها بمن يبغي فسَاداً … بها ترديه داهيةٌ تنسّي

كان السوق وسط محلّتَيْها … نجوم مجرة بسماء وَرْسِ

كأن غلالة حمراء حيكت … بأوسطها طرائف من دِمَقْسِ

كأنَّ الفرسخي كريم قوم … بسيط الراحتين بفيض رغسِ

يباين ماءه فصلي شتاء … وصيف كلما وافى بجنسِ

فإن قرٌّ فذا باللمس حَرٌّ … وإن حَرٌّ فذا بردٌ بلمسِ

كأنَّ الناس طفل وهو ثدي … لمرضعة غزير في المحبسِ

سمعتُ مع الصُّوار له خرير … يحقّق علمهُ بلسان فُرسِ

كأنَّ المسجد المعمور يَروي … بما يملي له من علم غرسِ

توسط في الحمى كنظيره في … السما والأرض وامتازا بقدسِ

وإنَّ الخير موضوع لديه … ومحمول بكليات خمسِ

سمت بالفرسخي ديار حبس … كما بالذكر يسمو كل طِرسِ

إذا ما جئتَ ليلاً أو نهاراً … بها تستغني عن قمر وشمسِ

قد انفردت بلذة كل عين … من الدنيا وشهوة كل نفسِ

تجنّى أهلها شرّاً عليها … فأضحت وحشة من بعد أنسِ

وقد لبست غلائل طاهرات … فأمست بُردة غُمست بِنجسِ

مساجدها الزواهر قد خلت من … جماعات لورّاد ودَرسِ

وأمسى سُوقُها عطلاً كخَوْد … تساقط حَلْيُها من بعد لبسِ

فيا لله كم عينٍ ونفسِ … بها فاضت لعهد غير مَنسي

تقدمتِ الخساس لنَتْج شرٍّ … لقد نتجت مقدمة الأخسِ

ولم نألُ اجتهاداً في هداهم … وأوضحنا الرشاد بغير لَبسِ

مُرُوا بالعُرْفِ وانهَوا عن سِواه … وذا سكن لكم يغدو ويمسي

إذا ظهر الزنى في دار قوم … بهم كثر الفنا وقُضِي بفَرْسِ

وراعُوا حفظ داركم بعدل … فمأرب إذ عَدت رُميَت بطمسِ

بسوقكم انتهُوا عن بيع سُحْت … وبخس واقْتِنا مَكْسٍ ووَكسٍ

وبيع الحُرِّ نار وهو عارٌ … ومخربة البناء المُسْتَرسِّ

أقيموا العدل بالميزان وارعَوا … حمى المولى بمكيال وسدسِ

لكم في أهل مَدْيَنَ أي وعظ … وبالأشرار قد قَبُح التأسّي

وكم قامت بها خطباء عدل … تذكر في عُكاظ خِطاب قُسِّ

فلم يرسب بهم نصح ووعظ … وتاهوا كالذين رموا بمَسِّ

وطال الأمن فيهم لا عَدُوّ … يصبّحهم ولا مرض يُمسّي

إذا فتح العدو لهم عيوناً … تَداركها إلهُهُم بطمسِ

ومَسَّ الرِّجزُ بُلداناً فأقوَتْ … ولم ينظر لحوزتهم بمَسِّ

ولم أر للقبيلةِ كالأعادي … ألمَّ لها واذهب للتعسّي

محاربة العدا تلهي الأداني … عن البغضاء بينهم وتنسي

وبالأمراض وعظ واتعاظ … ولين حشا من الذنب المنسّي

وقد صدعوا بآيات توالت … وهم في سَكرة تُضحي وتُمسي

فأمضى حكمَه الجبَّارُ فيهم … وألقى بينهم أسواط رجسِ

فماجُوا بالتطاول والتعادي … وساسُوا الضُرَّ في مال ونفسِ

فبعضهم يحاول نيل ملك … وبعضهم يمانعه بروسِ

وأضحوا فرقتين وكل إحدى … على الأخرى تجاذبها بخسِّ

وصاغوا ذات يوم لطف كيد … وجمعهم يسُوقهم مرسّي

ودقّوا عِطرَ مَنْشم وقتَ عصرٍ … ووجهُ الشمس مَطليٌّ بورسِ

فلم تسمع ولم تر غير برق … ورعد من سنا صُمْعٍ وحَسِّ

وحاك النقع حلة طيلسان … على الأرجاء واكتحلت بنقسِ

فقمنا بين بارقة أضاءت … وراعدةٍ أصاخت كل هجسِ

وطفنا بين مُسودٍّ تجلىّ … ومنهدّ تعلىّ كل نفسِ

كأنَّ الرمي والمرميُّ شهب … تخر على شياطين بلمسِ

كأنَّ حسيسهَا أصوات نحل … أحطن ببيتهنَّ تجاه دبسِ

دعونا بس واعلان العوافي … وصُمعهم تلبينا ببَسِّ

إذا اشتهت القبائل طعم حرب … فلا يشفي سوى الشبع المدسّي

وقلعتهم لمدفعها غمامَ … حداه رعد همهمة وجرسِ

كأن البيت يخطبها فردت … بهدٍّ لا يؤلف وجه عِرسِ

وجمهرة البيوت بهنَّ تَيْهٌ … بألسنةٍ تَكَلَّمُ غيرِ خُرسِ

فلم يرعوا لعيسى قط عهداً … ولا لِسَواه من صلحاء أنسِ

وصبّحهم ويُحمد وجهُ صبحِ … ومسَّوه بحربهم بعبسِ

فبان الخطب عن قتل وجرح … وكانت أي راهبة برسِّ

وكان بشهر شعبان التفاني … بيوم السبت منه عصرَ خَمسِ

وطال الأمن والتاريخ جب … عرتنا وحشة من بعد أنسِ

فما أدهاه من شهر تقضى … وحسبك عبرة ما كان أمسِ

وشعبان لحبس كان فألاً … لهم بتشعُّبٍ ولزوم حبسِ

فلا تعجب لحبس ان تفانوا … فهم أتباع ذبَيان وعبسِ

وابنا قيلة احتدموا قديماً … وابنا وائل ومضوا كأمسِ

وكيف اذمُّ حبساً في جنابي … وهم سيفي إذا أُبلى وترسي

غطارفة جحاجحة أسود … صدور جحافل وبدور غلسِ

إذا نزلوا مدى واستنزلوه … فهم في الحالتين سُخاة نفسِ

إذا ضنَّت يد الخضراء جادوا … على الغبرا ببسط يدٍ وأُنسِ

وإن قامت رحى الهيجاء كانوا … لها الأقطاب في دور وجرسِ

لهم وَثَباتُ صدقٍ للمنايا … إذا صرخ المنادي يا لحبسِ

عصائب مهدوا لِسَما المعالي … مراقي فارتقوا بندى وبأسِ

هم جزآن والمجموع كُلٌّ … وأعراق بأصل مسترسِّ

وبطنا يحمد فيهم أقاما … بأبراج من الجوزاء قُعسِ

أثارا فتنة أخرى فهاجت … نفوساً من جناة الحرب حُمْسِ

كُماة لا يهابون المنايا … بمخلبها رمتهم أو بضرسِ

متى ضربت صياصيهم أفاضت … بصمعهم الشداد سحاب تعسِ

فكان المرء في سفك وقتل … وكانت تلو عمتها بأمسِ

ومن بلدانها الغربي طابت … مشاربه ومرَّت بالتحسَي

وكان الزاهب اسماً بدَّلوه … بذال نقطت بمداد رجسِ

هو السبب المهيج للبلايا … وللأشياء أسباب تؤسي

على خضرائه استولى فريق … لآخر فيه من رطب ويبسِ

وكان العهد ممدوداً عليهم … وكلهم يجاذبه بخسِ

وقد شرقت بلادهم بجوع … وخوف بعدما شرقت بعكسِ

وأضمر بطنها شراً ولكن … غدا شبعان من عسر وحرسِ

سألت الله صرف الشر عنها … وعود الخير في مال ونفسِ

وهذي الفتنة استولت على من … ثوى فيها وشاركها بدسِّ

وأسمى العارفون بها حيارى … لما نالتهم منها بغمسِ

وعزل النفس عنها فرض عين … أيدخل مؤمن أعمال رجسِ

وإن الخير كل الخير فيمن … يكون ببيته أمثالَ حِلْسِ

وبذل النفس صعب وهو حلو … على الأعدا ومرٌّ في الأخسِّ

وإني من شلاشلها خَليُّ … ولم أكُ من صلاصلها بوَجْسِ

وكم رؤيا لنا دلَّت عليهَا … وعقلٍ ناظر فيها بحدسِ

فجاءت بكرة شوهاء تخشى … مطالعها تُقادُ بزي عنسِ

فلا أهلاً ولا حلّت وولّت … تُذَبُّ بسائقي طرد وعكسِ

إلهي أنت أحفى بي فثبّت … على تقواك قلبي قبل خلسي

بنفسي حسن ظني فيك فيما … أردتُ وأنت أعلم ما بنفسي

فمنَّ عليَّ بالغفران واختم … على عملي بتزكية وقدسِ