دم الشهيد – محمد مهدي الجواهري

خُذوا من يَومكم لغدٍ متاعا … وسيروا في جهادِكمُ جِماعا

وكونوا في ادَّراء الخطب عنكم … يداً تَبني بها العَضُدُ الَّذراعا

ذروا خُلفاً على رأيٍ ورأيٍ … إلى ان يلقيَ الأمرُ القِناعا

وخلُّوا في قيادتكم حكيماً … يدبِّرُها هُجوماً او دِفاعا

رحيبً الصَدر ينهضُ بالرزايا … ويُحسنُ أن يُطيع وأن يُطاعا

حملتم ثِقْل جائرةٍ عسوفٍ … تميل بمن يحاولُها اضطِلاعا

ونادَيتم بذائعةٍ هَتوفٍ … نَمى خَبَرٌ بها لكُمُ وذاعا

تعلَّقَتِ العُيونُ بها احتفاءً … وأُتلِعَتِ الرقابُ لها اطلاعا

وأوجفتِ الشعوبُ على صداها … وقد عابَ العِيانُ بها السَماعا

تراهَنُ بينها عن كلِّ شَوط … بحلْبتكم ، وتُقتَرعُ اقتراعا

فقد وعَظَتْكُمُ سُودُ الليالي … ولم تعرفْ بما تعِظ الخِداعا

بأنَّ اشقَّ مطَّلَبٍ رأته … ضعيفٌ طالبٌ حقاً مُضاعا

فلا تكِلوا الأمورَ إلى قضاء … فما كانَ القضاءُ لكم رَضاعا

ولا تنسَوا بأن لكمْ عدوّاً … طويلاً ، وفي ازدراع الخُلفِ ، باعا

يُلوِّي كلَّ يَوم من قناةٍ … ويَبتدِع الشِقاقَ بها ابتِداعا

وانكُمُ بكَعْب السَوطِ منكم … قَرَعْتُم ” رأس ” مَن سنَّ القِراعا

قَرَعَتُم رأسَ مختَبطٍ رؤوساً … مماكرةُ ، ومالكَها صُداعا

مسكتُمْ من خِناقةِ أفعُوانٍ … شديدِ البطش يأبى الإنصِراعا

تعاصى والدُنى من كل حَدْبٍ … تهزُّ الصُلْبَ منه والنُخاعا

فمُدّوا كفَّكَم هَوناً فهَوناً … وجُرّوا منه أنياباً شِناعا

وفكُّوا شِدْقَ مُؤتذِبٍ خبيث … وسُلُّوا حَقَّكم منه انتزِاعا

ولا تَنْسَوا بأنَّ له عبيداً … شَراهم بابتسامته وباعا

حَباهم شرَّ ما يُحبَى خَؤونٌ … يغذَّي من كرامته الطِماعا

وعوَّضَهم عن الشَرَفِ المُبَقَّى … حُطام المالِ يذهَبُ والضِياعا

احَلَّ لهم دماءكمُ مَخاضا … وبؤَّأهم ” حقوقَكمُ ” رباعا

وملَّكهم رقابَكم فآبٍ … تملَّكَها وذو خَورَ أطاعا

فسقُّوهُم بكأسهمُ دِهاقاً … ذِعافَ الهَون والذلِّ اجتراعا

وجُروّهم على حَسَك الخطايا … ورُدُّوا كَيْدَهم بالصاع صاعا

وزيدوا بالدم العَبِق اتشاحاً … وبالوحي الذي يوحي ادِّراعا

وكانوا في احتراشِهمُ ذئاباً … فكونوا في ضَراوتكمْ ضِباعا

شَبابَ اليَوم إن غداً مَشوقٌ … يَمُدُّ لكم ليَحضُنَكم ذِراعا

يُمدُّكُمُ بروح من خُطوبٍ … تعوَّدَ انْ يمدَّ بها الصِراعا

وأنْ يعتاضَ عن جيل بجيلٍ … بها ، ويفضََّ بينهما النزاعا

رصاص البَغي يفجُرُكم ليجري … دمٌ يَزْكو به الوطنُ ازدِراعا

ويُخصِب من رياضِ حقلٌ … يُراح القادمونَ به انتِجاعا

و ” سَوطُ ” الفاجرينَ يُعيد لحناً … له تترنَّحُ الدنيا استِماعا

وقَعرُ السجن حيثُ مشتْ ” فرنسا ” … من ” البستيل ” ترتَفِعُ ارتفاعا

والوانٌ من ” التعذيب” تَهدي … سجلَّ ” الثورة ” الكبرى شُعاعا

واشباحٌ تُراوحكم قِباحٌ … تَروعُ حَصاتَكم ساعاً فساعا

هي الاشباحُ من عهد تَرامى … على عهد فترتجفُ ارتِياعا

شبابَ اليوم إنكمُ ثمارٌ … سيقطفُها الغدُ الآتي سِراعا

جَنى جيلٌ يعبِّئُ للرزايا … مصايرَه وللذُل اقتناعا

على جيلٍ كأنَّ عليه مما … بَنَى البانون من وِزْرٍ قلاعا

بذَوب الفكر يفتتح القَضايا … ويختِمها بمهجته اندفاعا

دَمَ ” الشهداء ” لا تذهَبْ هباءً … ولا تجمُدْ بقارعةٍ ضَياعا

ولا تشكُ الظِماء فان فينا … دماءً سوفَ تشربُها تِباعا

ولا تَخَلِ الجفاءَ فلم تُغَيَّبْ … يدٌ تُرعى ، ولا ذمم تُراعى

فما كَدم ” الشهيد ” اذا تَنادى … كثيرٌ ناثِروهُ اذا تَداعى

وما تَهَب الصنائع للبَرايا … كما يَهَبُ ” الشهيد ” لها اصطِناعا

انَفقِدُكم ولا نَرعىَ حفاظاً … وتَرعَى البيتَ فاقدةٌ صُواعا

اذن فالثَأر نَنشُده كِذاباً … وصوتُ الحق نسمعُه خِداعا

اذن فسَيُوسِعُ التاريخُ رجماً … كِلَينا ، من ” أطَلَّ ” ومن أضاعا

ونحن – اذن – نَسومُ دماً زكيّاً … بعاجلةٍ شِراءً وابتِياعا

فالىُّ ” زكاً ” يُصان – اذن – ويُقْنَى … وايُّ شذاة طهرٍ لن تُباعا

ونحن – اذن – على الأشلاء نُزجي … رغائبَنا ونُسمنُها رِتاعا

فليتَ الحزنَ تُطبقُ فوق سالٍ … سحابتُه وتأبى الإِنقِشاعا

وليت الليلَ يغمرهُ دخاناً … وليت الصبحَ يُمطرُه التياعا

وليت مُنىً يُراودها فِجاراً … تُعاوِده لتنهَشَه ضِباعا

وليت ضميرَه يثب افتزاعا … من الذكرى وينتفِضُ التذاعا

وليت العارَ يبرحُ مستضيفاً … سريرتَه اصطيافا وارتِباعا

وليت امامَ عينيه احتراقاً … جَرىَ كالشمع حاضرهُ وماعا

وليت خيالَ ماضيه مَسيخاً … يَلوح على ملامحِه انطِباعا

دمَ ” الشهداء ” انتَ اعزُّ مُلكاً … وقاعُك اشرفُ الدنيا بِقاعا

وانت الخُلدُ بالأنهار يَجري … وبالمِسك انتَشَى أرَجاً وضَاعا

دمَ الشهداء كنتَ النارَ شبَّتْ … على الباغين تندَلِعُ اندلاعا

تلُفُ طَغامَهمْ نِكساً فنِكساً … إلى يَومٍ تَلفُّهُمُ جِماعا

إلى يوم تُطيح بما أقاموا … وما اختَطُّوا فتَنسِفُهُ اقتِلاعا

دمَ ” الشهداء ” اهِدِ الجمعَ يُبصِرْ … طريقاً منك يزدَهِرُ التِماعا

أهبَّ له الحواضر والبوادي … وعرِّفْه المَشارفَ والتِلاعا

متى يَقْحَمْ قِطاعاً من شُرور … فأقحِمْه بسَوْرتِه قِطاعا

وسدِّدْ من خُطاه اذا توانى … وجدِّدْ من قُواه اذا تََداعى

وكن ، إن لفَّه ليلٌ ، شُعاعاً … وان طال الطريق به ، متاعا

دفعتَ بما استطعتَ الضُرَّ عنه … فزده ما استطعتَ بك انتِفاعا

وزِدْه ما استطعتَ لك انصياعا … وعما يُغضِبُ الوطَنَ امتِناعا

وزِده في الخُطوب بك اعتِزازاً … وحَوْلَ شعارِك الألِقِ اجتماعا

وكنْ فيما اندفَعْتَ شِعارَ جيلٍ … حثيثِ الخطو يأبَى الإرتجاعا

وأعلِنْ بانفطامِك عن شَبابٍ … به يتعلَّلُ الشيخ ارتِضاعا

عن الشهوات في الحكمِ ازدجاراً … وعن حكم يُلاث بها ارتِداعا

دمَ ” الشهداء ” مهما اسطَعْتَ فادفَع … وحَسْبُ الحر جُهداً ما استطاعا

إلى الغَمَرات افئدة تَنَزَّى … من ” الغَمرات ” تَخْشَى الانخِلاعا

تُحبُّ الموتَ تغمرُه التحايا … وتأبَى ان تَطيرَ به شَعاعا

وتَخْشَى الخُلدَ ، مُفزعةً ، نفوساً … وتهواه ، مُكرِّمةً طُباعا

وما انفكت على رِجْلٍ وأخرى … تُخالفها نُكوصاً وانصِياعا

فأكرِهْها وقُل سيري بسَوطٍ … يُدَمِّي من أبَى سَيْراً وطاعا

بسَوْطٍ من جُلودٍ ملزماتٍ … بهَدْي الناس يقتَطِعُ اقتِطاعا

تَوَكَّلَ ان يسودَ الناس حكمٌ … يُساوي من أُجيعَ بمن أجاعا

ويُسقطُ من شِفاهِهُمُ سَواداً … ويمحُو من مَعاجِمهم رَعاعا

وقل سيري ولا تقفي انتِكاصاً … وانتَ فَسَلْ ولا تقفِ انقِطاعا

وقل سيري فما يَعْيَا دليلٌ … حَدا من قبلكم فَهَدَى وضاعا

وقل سيري اتباعَ أخي افتِداءٍ … مَشَت من خَلفه الأمم اتباعا

جلبتُ لها ” السُمُوَّ ” فأوسعتني … من النُّكران ما يصِمُ اتضاعا

وذُقْتُ الوحشةَ الكبرى فكانت … أنيسَ الناعمين بها اضطجاعا

وكنت لها انا المجهول علماً … وأخلاقاً وحكماً واشتِراعا

ومخترعٍ يتيه على كِبراً … ولو لم أجرِ لم يجدِ اختِراعا

وفذٍ ” عبقريّ من نَتاجي … تَرَعْرَعَ ” صيتُه ” ونما وشاعا

تجاهَلَني وكنتُ له خيالاً … وأهملني وكنت له يَراعا

وآخرَ ذي فُتوحٍ أشجعيٍّ … سفحتُ له ليرتبيَ اليَفاعا

تناسى من له اقتادَ السرايا … ومن كانَ الشَّجاعةَ والشُّجاعا

ويا اكفانَهم كوني لواءً … وسيعاً يحضُن الهِممَ الوِساعا

وسُدي ثُلمةً من كل خَرْقٍ … يَزيدُ الخَرقُ شقتَّه اتساعا

وزِيدِي في خضَمِّ المجد مَوْجاً … وكوني من سفائِنه شِراعا