دموع و تنهّدات – إيليا أبو ماضي
ألا ليت قلبا بين جنبيّ داميا … أصاب سلوا أو أصاب الأمانيا
أجنّ الأسى حتّى إذا ضاق بالأسى … تدفّق من عينيّ أحمر قانيا
تهيج بي الذكرى البروق ضواحكا … و تغري بي الوجد الطيور شواديا
فأبكي لما بي من جوى و صبابة … و أبكي إذا أبصرت في لأرض باكيا
فلا تحسباني أذرف الدّمع عادة … و لا تحسباني أنشد الشعر لاهيا
و لكنّها نفسي إذا جاش جأشها … و فاض عليها الهمّ فاضت قوافيا
يشقّ على خدع فؤاده … و إن خادع الدنيا و داجى المداجيا
طلبت على البلوى معينا ففاتني … يؤاسيك من يحتاج فيك مؤاسيا
و من لم تضرّسه الخطوب بنابها … يظنّ شكايات النفوس تشاكيا
رميت من الدنيا بما لو قليله … رميت به الأيّام صارت لياليا
فلا يشتك غيراي البؤوس فإنّني … ضمنت الرزايا و احتكرت العواديا
تمرّ اللّيالي ليلة إثر ليلة … و أحزان قلبي باقيات كما هيا
ولو أنّ ما بي الخمر أو بارد اللّمى … سلوت ، و لكن أمّتي و بلاديا
إذا خطرت من جانب الشّرق نفحة … طربت فألقى منكباي ردائيا
أحنّ إلى تلك المغاني و أهلها … و أشتاق من يشتاق تلك المغانيا
و ما سرّني أنّ الملاهي كثيرة … و في الشّرق قوم يجهلون الملاهيا
إذا مثّلوا و النوم يأخذ مقلتي … بأهدابها أمسيت و سنان صاحبا
و كيف اغتباط المرء لا أهل حوله … و لا هو من يستعذب الصّفو نائيا
تبدّلت الدنيا من السّلم بالوغى … و صار بنوها العاقلون ضواريا
فما تنبت الغبراء غير مصائب … و ما تمطر الأفلاك إلاّ دواهيا
وناكر حتّى اللّيل زهر نجومه … و ما الخضمّ المنشآت الجواريا
و بات سبيل كان يسري به الفتى … بلا حارس ، يمشي به الجيش خاشيا
تقطّعت الأسباب بيني و بينهم … فليس لهم نحوي وصول و لا ليا
و كان لنا في الكتب عون على الأسى … و في ( البرق ) ما يدني المدى المتراميا
فلم تأمن الأسرار في ( السّلك ) سارقا … و لم تأمن الأخباتر في الطرس ماحيا
إذا قيل هذا مخبر ملت نحوه … بسمعي و لو كان المحدّث واشيا
و تعلم نفسي أنّه غير عالم … و لكنّني أستدفع اليأس راجيا
سرى الشّكّ ما نصدّق راويا … و طال فبتنا ما نكذّب راويا
أقضي نهاري طائر النفس حائرا … و أقطع ليلي كاسف البال ساهيا
فما هم بأموات فنبكي عليهم … ولاهم بأحياء فنرجو التّلاقيا
كأنّي بهم أخرجوا من بيوتهم … حفاة عراة جائعين صواديا
كأنّي بالغوغاء ثارت عليهم … و بالجند تعطي الثائرين المواضيا
كأنّي بهم أعمل السّيف فيهم … كأنّ الدم القاني يسيل سواقيا
كأنّي بالدّور الحسان خرائب … كأنّي بالجنّات صارت فيافيا
مشاهد لاحت لي فهزّت فرائصي … كما ذعر الملسوع راء الأفاعيا
فبتّ كأنّ السّهم بين أضالعي … كأنّي أقلّ الشّاهقات الرّواسيا
و لو أجنبي لاتّقينا سهامه … و لكنّما الإخوان صاروا أعاديا
أطاعوا طغاة الترك فينا و طالما … عصا فيهم التركي و فينا النواهيا
و كم راغ ما بين المسيح و أحمد … و حارب ” بالسوري ” أخاه ” اليمانيا “
فإن ينس ” حورانا ” فتاه و جاره … فأنّ ربى حوران لم تنس ( ساميا )
ألا ليت من باعوا على الغبن ودّنا … من الترك باعوا ذلك الودّ غاليا
و يا ليت من باع البلاد و أهلها … ” بفلكين ” لم يخت لها البؤس شاريا
فيا أمّة قد طال عهد سباتها … متى يكشف الإصباح عنك الدّياجيا
إلى كم تودّين البقاء لمعشر … بقاؤهم يدني إليك التّلاشيا
ثلاثة أجيال تقضّت و أنتم … تسامون منهم ما تسام المواشيا
أم آن يسترجع التاج أهله … و يسترجع التاج المهابة ثانيا
من كان ( جنكيز ) ” لقحطان ” سيّدا … فيسمى بنو هذا لذاك مواليا ؟
و يا عقلاء العرب هذا زمانكم … فكونوا لمن ضلّ المحجّة ، هاديا
إذا عذر الأعمى الروى في ضلاله … فلا يعذرون النّاظر المتعاميا
أرى ظلمات مطبقات حوالكم … فإن تطلعوا فيها رأيت الدّراريا
غدا ينشر التاريخ حديثه … و يتلو الذي يتلوه ما كان خافيا
فإن شئتم أمسى عليكم محامدا … و إن شئتم أمسى عليكم مساويا
و يا أيّها الجالون بلادكم … تناديكم لو تسمعون مناديا
لقد عقّدت فيها الخطوب عجاجة … وساق عليها جبشه الجوع غازيا
و بات ذووكم يجهلون مصيرهم … كأنّهم ماء أضاع المجاريا
من العار أن يغشى الرقاد جفونكم … على حين يغشى الدمع تلك المآقيا
من العار أين يكسو الحرير جسومكم … و لم تبق منهم شدّة الضّنك كاسيا
من العار أن يبقى عليكم جمودكم … وقد بلغت تلك النفوس التراقيا
إذا المال لم ينفقه في الخير ربّه … رآه عليه العالمون مخازيا
إذا المرء لم يسع لخير بلاده … يكن كالذي في ضرّها بات ساعيا