خلوا سبيل الشاعر المتدفع – أحمد محرم

خلوا سبيل الشاعر المتدفع … وخذوا بيان العبقري المبدع

النيل يصغي في مواكب عزه … ويهز عطف الشيق المتطلع

لبيك جئت وأنطقتني حرمة … لك لم تزل مني بأكرم موضع

لك من زعيمك ما أردت وهذه … نجوى زعيم الشعر فانظر واسمع

أحببت مصر بقلبه ويقينه … فبيانه عندي وحكمته معي

وعرفتها تشكو إليه غليلها … وتطوف من يده بأطيب مشرع

حامت على إستقلالها وتوجعت … للمشفق الحاني على المتوجع

فمضى يخوض إليه كل مخوفة … غبراء تعصف بالكمي الأروع

ومشى يحدث هالكا عن هالك … فيها ويسأل مصرعا عن مصرع

نستنطق الغمرات أين مكانه … ونظل ننظر في القتام الأسفع

متطلعين نرى تقلب وجهه … في مثل إيماض البروق اللمع

ونراه يستبق المطالع صاعدا … حتى يمر من السماك بمطلع

يبغي لبانة مصر في مستشرف … صلب الجوانب بابه لم يقرع

أتت الغوائل دونها فكأنما … هي من كهوف الجن في مستودع

كانت كأحلام النيام فأصبحت … ملء العيون سنا ولما تهجع

أمذلل الأحداث أنت جعلتها … منا بمنزلة الذلول الطيع

لولا حجاك وطول باعك جاوزت … باع الرجاء ومستطاع المطمع

لما اصطفاك الشعب كنت له أبا … يرعاه في الحدث الجليل المفظع

دفع اللواء إليك لم يؤثر به … غير الأعز من الحماة الأمنع

جردت صحبك للكفاح مواضيا … خذما متى تضرب بكفك تقطع

من كل مقتحم يرى الدم حوله … فيخوضه ويكر غير مروع

أبطال مصر تداركوا آمالها … واليأس ملء فؤادها والأضلع

وعجبت للشهداء حول زعيمهم … جزع الردى ونفوسهم لم تجزع

كتب الشباب لمصر من مهجاتهم … عهد الفداء فقل لنفسك وقعي

يا مطلع العهد الجديد تحية … كسناه إن تظفر بنورك تسطع

أخرجت قومك من غياهب أزمة … لولاك لم تنجب ولم تتقشع

لولا غلوك في المطامع ما انبرى … يبغي الزيادة طامع لم يقنع

ما ليس من أدب الحياة وحقها … فضلالة أو باطل لم يشرع

أحداث دهر من يسسها تستقم … بعد الجنوح ومن يرضها تخضع

وأمور دنيا ما لوت يد طالب … لبق ولا ضاقت على متوسع

ذو الجهل يقتل بالدواء وذو النهى … يجني الشفاء من الذعاف المنقع

وأشد من ظلم الحوادث ظالم … يبكي لما صنعت وما لم تصنع

من راض في خدع السياسة نفسه … علما بها فكأنه لم يخدع

الأمر غيب والذرائع جمة … والصبر نعم العون للمتذرع

إن الذي أعطى الكنانة عهده … لهو المؤمل للمهم المفزع

ياذا القلادة إنها لك آية … من مظهر الشرف الأعز الأرفع

زادت مقامك رفعة وجزيتها … فثوت مع الجوزاء فيما تدعي

هي فوق سؤددها وغاية عزها … فلتغض في عليائها ولتخشع

ما المجد يلبسه الرجال مرصعا … كالمجد غفل التاج غير مرصع

أو ما كفاك الجود بالنفس التي … حملتها عبء الجهاد المضلع

آثرت مصر بما بذلت لأجلها … ومنحت من مال امرئ متورع

لو لم تكن قدمته متبرعا … لبلغت أقصى غاية المتبرع

جرت المنابع يستبقق سماحة … وسبقت أنت فكنت أول منبع

مالي سوى الشعر الذي أنا باذل … والشعر من خير العتاد لمن يعي

إجمع لمصر جزاك ربك صالحا … أعلام عمرو في مواكب خفرع

واسلك بها النهج السوي فإنها … مهما تكن تقبل عليك وتتبع

وإذا الأمور على الرجال تشابهت … فاهد النفوس إلى الأحب الأنفع

وزن العقول فان ظفرت براجح … فاستبق كنزك لا يكن بمضيع

وتخير الأخلاق إن أجلها … ما ليس بالواهي ولا المتصدع

إبن الحياة على أساس صالح … وتأن تأمن زلة المتسرع

وبحبل ربك ذي الجلالة فاعتصم … وإليه في كل المواطن فارجع

وخد القلادة صاغها لك شاعر … الله أورثه قلائد تبع

والاك في مصر التي لم ينتصر … لسوى قضيتها ولم يتشيع

الأمة ائتمرت بأمرك فاستعن … بصفوفها والشمل حولك فاجمع

ألحان: طلال مداح