حديث موجة – إيليا أبو ماضي

عندي لكم نبأ عجيب شيّق … سأقصّه و عليكم تفسيره

إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا … كالشيخ طال بما مضى تفكيره

فسألت نفسي حائرا متلجلجا … يا ليت شعري أين ضاع هديره ؟

” بالأمس ” قالت موجة ثرثارة … و مضت ، فأكملت الحديث صخوره :

بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم … رقّت شمائله ودقّ شعوره

مترنّح من خمرة قدسيّة … فيها الهوى و فتونه و فتوره

مترفّق في مشيه يطأ الثّرى … و كأنّما بين النجوم مسيره

يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى … مرخيّة فوق العباب ستوره

يهدي إلى الوطن القديم سلامه … و يناشد الوطن الذي سيزوره

فشجا الخضمّ نشيده و هتافه … فسها ، فضاع هديره وزئيره

أعرفتموه ؟ … إنّه هذا الفتى … هذا الذي سحر الخضمّ مروره

” داود ” و المزمار في نغماته ، … و ” الموصليّ ” و معبد و سريره

يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله … و بشيره ، و الفنّ أنت أميره

لو شاع في الفردوس أنّك بيننا … لمشت إلينا سافرات حوره

ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما … جاء الربيع زهوره و طيوره

ألفن هشّ إليك في أمرائه … و تفتّحت لك دوره و قصوره

إنّ الجواهر بالجواهر أنسها … أمّا التراب فبالتراب حبوره

يا شاعر الألحان إنّي شاعر … أمسي ضئيلا عند نورك نوره

أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه … أسماه ما أعيا الفتى تصويره

و أحبّ أزهار الحدائق وردها … و أحبّ من ورد الرياض عبيره

أنت الفتى لك في النسيم حفيفه … و لك الغدير صفاؤه و خريره

ألقوم صاغية إليك قلوبهم … و اللّيل منصته إليك بدوره

و بهذه الأوتار سحر جائل … متململ كالوحي حان ظهوره

إن كنت لا تهتاجه و تثيره … فمن الذي يهتاجه و يثيره ؟

دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق … و يدبّ في أرواحنا تأثيره

وامش بنا في كلّ لحن فاتن … كالماء يجري في الغصون طهوره

أدر على الجلّاس أكواب الهوى … في راحتيك سلافه و عصيره

فيخفّ في الرجل الحليم و قاره … و يراجع الشيخ المسنّ غروره

و تنام في صدر الشّجي همومه … و يفيق في قلب الحزين سروره

هذي الجموع الآن شخص واحد … لك حكمة و كما تشاء مصيره

إن شئت طال هتافه و نشيده … أو شئت دام نواحه وزفيره

إنّا و هبناك القلوب و لم نهب … إلّا الذي لك قبلنا تدبيره