تَراءَتْ لَنا، وَالبَدْرُ وَهْناً، على قَدْرِ – الأبيوردي

تَراءَتْ لَنا، وَالبَدْرُ وَهْناً، على قَدْرِ … فَحَطَّتْ لِثامَ اللّيلِ عن غُرَّة ِ الفَجْرِ

بَدَتْ إذْ بَدا، وَالحَلْيُ عِقْدٌ وَمَبْسِمٌ … وَلَيسَ لهُ حَلْيٌ سوى الأَنْجُمِ الزُّهرِ

فَقُلْتُ لِصَحبي وَالمَطيُّ كأَنَّها … فَطاً بِجَنوبِ القاعِ مِنْ بَلَدٍ قَفْرِ

أَأَحْلاهُما في صَفْحَة ِ اللَّيلِ مَنْظَراً … أُمَيْمَة ُ أَم رَأْيُ المُحِبِّ، فلا أَدري

أَجَلْ هِيَ أَبْهى ،أَيْنَ لِلْبَدْر زينَة ٌ … كَعِقْدَيْنِ من نَحْرٍ وَعِقْدِينِ مِن ثَغْرِ 

مُهَفْهَفْة ٌ كَالِرّيمِ تُرْسِلُ نَظْرَة ً … بِها تَنْفُثُ الحَسْناءُ في عُقَدِ السِّحرِ

بِنَجلاءَ تَشْكُو سُقْمَها وَهْوَ صِحَّة ٌ … إذا نَظَرَتْ لا تسْتَقِلُّ مِنَ الفَتْرِ

كَأَنِّي غَداة َ البَيْنِ مِنْ رَوْعَة ِ النَّوى … أُقَلِّبُ أَحناءَ الضُّلوعِ عَلى الجَمْرِ

نَأَتْ بَعْدَما عِشْنا جَميعاً بِغِبْطَة ٍ … وَأيُّ وِصالٍ لَم يُرَعْ فيهِ بِالهَجْرِ

إذا ابتَسَمَتْ عُجباً بَكيتُ صَبابِة ً … فَمِنْ لُؤلُؤٍ نَظْمٍ وَمنَ لُؤلؤٍ نَثْرِ

يُذَكِّرُنيها البَرْقُ حينَ أَشيمُهُ … وإنْ عَنَّ خِشْفٌ بِتُّ مِنْها على ذِكْرِ

وَهَبْنِي لا أرمي بِطَرفي إلَيهِما … فَأَذْكُرُها الشان في الشَّمسِ وَالبَدرِ

وَقَدْ غَرِيَتْ بِالبُعْدِ حَتّى بِوُدِّهَا … وَبالبُخلِ حَتّى بِالخَيالِ الذي يَسري

وَبِالهَضْبَة ِ الحَمْراءِ مِنْ أَيْمَنِ الحِمى … لهَا مَنْزِلٌ أَلْوَتْ بِهِ نُوَبُ الدَّهْرِ

كَأَنَّ بقايا نَشرِها في عرَاصِهِ … تَبُثُّ أَريجَ المِسْكِ بِالجُرعِ العُفْرِ

فَلا بَرِحَتْ تَكْسوهُ ما هَبَّتِ الصَّبا … أَنامِلُ مِنْ قَطْرٍ غَلائِلَ مِنْ زَهْرِ

حَمَتْهُ سُراة ُ الحَيِّ غُنْمُ بنُ مالِكٍ … وَإخْوَتُها الشُّمُّ العَرانينِ مِنْ فِهْرِ

بِصُيّابَة ٍ مَجْرٍ، وَكَرّامَة ٍ ثُبى ً … وَمُرْهَفَة ٍ بيضٍ، وَمُشْرَعَة ٍ سُمْرِ

وَكَمْ فيهِمُ من صارخٍ وَمُثَوِّبٍ … وَمِنْ مَجْلسٍ فَخْمٍ، وَمِنَ نِعمَ دَثْرِ

وَسِرْبِ عَذارى بَيْنَ غابٍ مِنَ القَنا … كَسِربِ ظِباءٍ في ظِلالٍ مِنَ السِّدْرِ

سَمَوْتُ لَها وَاللَّيلُ رَقَّ أديمُهُ … وَكادَ يَقُصُّ الفَجْرُ قادِمة َ النَّسْرِ

وَرُمْنا عِناقاً نَهْنَهَتْ عَنْهُ عِفَّة ٌ … شَديدٌ بِها عَقْدُ النِّطاقِ على الخَصْرِ

وَلَمْ تَكُ إلاَّ الوُشْحُ فينا مُذالَة ً … وَإنْ حامَ بي ظَنُّ الغَيورِ عَلى الأُزرِ

وإنّي لَيُصبيني حَديثٌ وَنَظْرَة ٌ … يُعارِضُها الواشونَ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ

حَديثٌ رقيقٌ مِنْ سُعادَ كَأَنَّها … تَشوبُ لَنا ماءَ الغَمامَة ِ بِالخَمْرِ

فما راعَنا إلاَّ الصَّباحُ كمَا بَدا … مِنَ الغِمْدِ حَدُّ الهِنْدِ وإنِّي ذي الأَثْرِ

وَمِنْ عَجَلٍ ما لَفَّ جيداً وَداعُنا … بِجيدٍ، ولا نَحْراً أَضَفْنا إلى نَحْرِ

فَعُدْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ والسَّيْفُ مُنتَضى ً … وَهُنَّ يُبادِرنَ الخِيامَ عَلى ذُعْرِ

وَقَدْ مُحِيَتْ آثارُها بِذُيولِها … سِوى ما أَعارتْهُ التّرابَ مِنَ النَّشْرِ

مَشَيْنَ فَعَطَّرْنَ الثَّرى بِذَوائِبٍ … غَرِضْنَ بِسِرّي، لا نُفِضْنَ مِنَ العِطْرِ

كَما نَمَّ حَسّانُ بنُ سَعْدِ بنِ عامِرٍ … بِغُرِّ مَساعيهِ على كَرَمِ النَّجْرِ

أَخُو هِمَمٍ لَمْ يَملأ الهَوْلُ صَدْرَهُ … وَلا نالَهُ خَطْبٌ بِنابٍ ولا ظُفْرِ

يُلاحِظُ غِبَّ الأَمْرِ قَبْلَ وقُوعِهِ … وَيَبْلُغُ ما لا تَبْلُغُ العَيْنُ بِالفِكْرِ

وَيَنْظِمُ شَمْلَ المَجْدِ ما بَيْنَ مِنْحَة ٍ … عَوانٍ ، وَتَصْميمٍ على فَتْكَة ٍ بِكْرِ

إذا المُعْضِلاتُ اسْتَقْبَلَتْ عَزَماتِهِ … فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلاّ إلى حادِثٍ نُكرِ

نَكَصْنَ على الأَعقابِ دونَ ارتيابِهِ … تَعَثَّرُ في أذْيالِهِنَّ على صُغْرِ

وإنْ كانَ يومٌ غادَرَ المَحْلُ أُفْقَهُ … يَمُجُّ نَجيعاً وَهْوَ في حُلَلٍ حُمْرِ

فَزِعْنا إليه نَمْتَري من يَمينِهِ … سَحائِبَ يَسْحَبْنَ الضُّروعَ مِنَ الغُزْرِ

أَقَمْنا صُدورَ الأَرْحبيَّة ِ نَحْوَهُ … طَوالِبَ رِفْدٍ لا بَكِيٍّ ولا نَزْرِ

فَمَدَّتْ لنا الأَعناقَ طَوْعاً وما اتَّقَتْ … بِلَيِّ خُدودٍ في أَزِمَّتِها صُعْرِ

تُرَنِّحُها ذِكراهُ حَتَّى كَأَنَّنا … نَهُزُّ بِها أَعْطافَهُنَّ مِنَ السُّكْرِ

ويَسْلُبُها السَّيْرُ الحَثيثُ مِراحَها … إلى أن يَعودَ الخَطْوُ أَقْصَرَ مِنْ شِبْرِ

وَذي ثَرْوَة ٍ هَبَّتْ بِهِ خُيَلاؤُهُ … وَمَنْشَؤُهُ بَيْنَ الخَصاصَة ِ وَالفَقْرِ

دَعاها فَلَوْ أَصغَتْ إليهِ مُجيبة ً … لَقُلْتُ عَثَرْنا، لا لَعاً لَكَ مِنْ عَثْرِ

فَجاءتْهُ لَمْ تَذمِمْ إليهِ طَريقَها … وَلَمْ تَثْوِ مِنْ واديهِ بِالمَبْرَكِ الوَعْرِ

وِبَالنَّظْرَة ِ الأولى تَيَقَّنْتُ أنَّهُ … إذا مُدِحَ اختارَ الثَّناءَ على الوفْرِ

فَساقَ إلينا ما نَرومُ مِنَ الغِنى … وَسُقْنا إليهِ ما يُحِبُّ مِنَ الشُّكْرِ

فَلا أْحسَبُ العَصْرَ الذي قد طَوْيتُهُ … لَدى غَيْرِهِ طَيِّ الرِّداءِ مِنَ العُمْرِ

أَلَمْ آتهِ والدَّهْرُ في غُلوائِهِ … قَليلَ غِرارِ النَّومِ مُنْتَشِرَ الأمرِ

فَأَعْذَبَ مِنْ شِربي بِما مَدَّ مِنْ يَدي … وَآمَنَ مِنْ سِرْبي بِما شدَّ مِنْ أَزْري

وَخَوَّلني ماضاقَ ذَرْعُ المُنى بِهِ … مِنَ البِشْرِ في أثناءِ نائِلِهِ الغَمْرِ

وَقَلَّدْتُهُ مَدْحاً يَروضُ لَهُ الحِجَى … قَوافيَ لا تُعْطي القِيادَ على القَسْرِ

إذا ما نَسْبَناهُنَّ كانَ انتِماؤُها … إليهِ انتِماءَ الدُّرِّ يُعْزَى إلى البَحْرِ

لَنِعْمَ مُناخُ الرَّكْبِ بابُكَ لِلْوَرى … وَآلُ عَدِيٍّ نِعْمَ مُنْتَجَعُ السَّفْرِ

تُفيضُ نَدى ً غَمْراً، وَيُثْني عُفاتُهُ … عَلَيْكَ كما تُثني الرِّياضُ على القَطْرِ

فَعِشْ طَلَقَ الأَيَّامِ لِلمَجْدِ وَالعُلا … صَقيلَ حَواشي العِرْضِ في الزَّمَنِ النَّضْرِ