تونس – محمد مهدي الجواهري

رِدي يا خيولَ اللهِ مَنْهَلَكِ العَذْبا … ويا شرقُ عُدْ للغربِ فاقتَحمِ الغَرْبا

ويا شرقُ هَلْ سَرَّ الطواغيتَ أنَّها … فويقَكَ أشلاءٌ مبعثرةٌ إربا

يدٌ جَذَّ يومُ القيروانِ عُروقَها … وظهرٌ على القفقاسِ مستعلِياً جُبَّا

ويا طارقَ الجيلِ الجديدِ تلفُتاً … إلى جبلٍ إجتازه طارقٌ دَرْبا

أثرتَ لنا في غَمرةِ النصرِ خَطْرَةً … من الذكرِ فيها ما نحبُّ وما نأبى

هزَزْنا بها ذِكرى ، وتِهنا بزهوها … بُدوءاً ، ونُحنا من تصوَّرها عُقْبى

لمثلِ الذي تَبْغي من الحقِّ قادَها … إلى الموتِ ، لم تسألْ به السَّهْلَ الصَّعبْا

حَدا من جيوشِ الوحي والنصر ما حدا … وعَبَّا من الإيمانِ بالنصر ما عَبَّا

كنارِ ” ابن عمرانَ ” التي جاءَ قابساً … سناها حريقٌ في سفائنهِ شبَّا

وألواحُها ” الألواحُ ” لولا ” رسالةٌ ” … على ” قُرَشيٍّ ” لم تُرِدْ عينُه الربَّا

تخطَّتْ إلى مَحْميَّةِ الغربِ أُمَّةٌ … حمتْ فأجادت قبلَها عن حِمّى ذَبَّا

تحدَّتْ عُبابَ البحرِ تُزعجُ حُوتَهُ … ومن قبلهِ في البرّ أزعجتِ الضَّبَّا

أولاءِ ” البُداةُ ” الغامطُ النّاسِ حقَّهم … وتلكَ التي منها العربَ العَرْبا

لَتِلكَ قلوبٌ نَنشُدُ اليومَ مِثْلَها … أبى دينُها أنْ تجمعَ اللهَ والرُّعبا

سرَتْ كشُعاعِ النورِ في فَحمةِ الدُّجى … ومثلَ النسيم الرَّخْو في يَبَسٍ هبَّا

وفي ذلَّةٍ عزّا ، وفي ضَلَّةٍ هُدىً … وفي جَنَفٍ عدلاً ، وفي جَدَبٍ خصبْا

وفي عصبيَّاتٍ غِلاظٍ تسامُحاً … وفي مُلْتوٍ مِنْ نهجها منهجاً لحَبا

أطلت على ” مدريدَ ” تُسمِعُ دعوةً … وسارتْ إلى ” باريسَ ” تَسمعُ من لَبَّى

ودبَّتْ مَدَبَّ الروحِ في الكونِ رحمةً … وشدَّتْ لجسمٍ خائرٍ مُتْعَبٍ صُلبا

ومدَّتْ برفقٍ كفَّها فتلَمَّسَت … جراحَ بني الدُّنيا فآستْ لهم نُدْبا

وآوتْ من الأديانِ شتَّى وأطْلَعَتْ … مِن الخطراتِ النيّراتِ بها شُهْبا

وحامَتْ يَراعاً جالَ في جَنَباتِها … وصانَتْ – عليها أو لها – مِقولاً ذَرْبا

وما سَمَلَتْ عيناً ، وما قَطَعَتْ يداً … ولا حجزتْ رأيا ، ولا أحْرَقَتْ كتبا

نظرتُ إلى ما كانَ منها . وما جرى … عليها ، وما يأتي الشقاقُ إذا دَبَّا

وكيفَ أفاءَتْ ما أرادتْ ظِلالَها … وكيفَ اغتدَتْ مستثقلاً ظِلّها ، نُهْى

فقلتُ : وبعضُ القولِ عُتْبى وبعضُه … عتابٌ ، وشرُّ القولِ عتبٌ بلا عُتَبى

أساءَت صنيعاً أُمَّةٌٌ مستكينةٌ … صبورٌ على البلوى إلى أُمَّةٍ غَضْبى

سقى ” تونساً ” ما يدفعُ الخَطْبَ ، إنَّها … بخُضْرَتِها تُكْفَى الذي يدفعُ الجَدْبا

وحَيَّاً القِبابَ البيضَ رَوْحٌ كأهلها … رقيقُ الحواشي يَمسحُ الماءَ والعُشْبا

ورافقَها نورٌ من الوعيِ مُسْفِرٌ … كأنوارِ أسحارٍ ترقرقها سكبا

نَحنُّ لِذكراها ، ونشكو افتقادَها … كما شَكَتِ العينُ التَّي افتقدَتْ هُدْبا

ويا” مونتكُمري ” لو سقى القولُ فاتحاً … سقَتْكَ القوافي صفَوها السلسلَ العذْبا

ولو كانَ ذَوْبُ العاطفاتِ نِثارةً … نَثْرنا لكَ الإعجابَ والشكرَ والحُبَّا

نضتْكَ لدَرْءِ الشرِّ عَضْباً ” صياقلٌ ” … أعَدَّتْ لِلُقْيا كلِّ مستكبرٍ عَضْبا

حلَلْتَ على ” روميلَ ” كَرْباً ، وقبلَها … أحلَّ بأدهى منه ” ولنِكْتِنٌ ” كربا

وأنتَ انتزعتَ النصرَ من يدِ قادرٍ … عليهِ ، ولم ترحَمْ معنّىً به صَبَّا

ودحرجتَهُ عن ” مِصْرَ ” وهوَ مُعرِّسٌ … بأحلامهِ ، يُحصي الخراجَ الذي يُجْبى

وغرَّتْهُ من ريحِ الصحاري قَبُولُها … فكيفَ رآها وهي مُعرِضةٌ نَكْبا

دَحَا أرضَها ، وانصَبَّ كالموتِ فوقَها … ولُحْتَ له مَوتاً على الموتِ مُنصَباً

تركتَ الَّذي رامَ السَّما يلمِسُ الثَّرى … ومنْ كانَ يشكُو بِطنَةً يشتكي السَّغْبا

وبَصَّرْتَهُ لَّما تَصَعَّرَ خدُّهُ … بأنَّكَ أعلْى من أخادِعِهِ كَعْبا

قصَصْتَ جناحَيْه فقَرَّتْ شَذاتُهُ … وعادتْ ” نوازي ” شَرِّه أفرخاً زُغبا

كشفتَ لهُ ضَعْفاً وغطَّيْتَ قُوَّةً … فكنتَ ، ولولا خُدعةٌ لم تكن ، خِبَّا

أرادَ الَّتي من دونِها أنت ، والوغى … وعدلُ القَضا ، تَبّاً لِما رامهُ تَبَّا

سددتَ عليه الرأيَ حتى تركتَه … يَرى من سَدادِ الرأيِ ما عدَّه سبَّا

وحتى رأى ذُلَّ الفِرارِ غنيمةً … وحتى رأى الداءَ الذي يشتكي طِبَّا

وضاقتْ عليه الأرضُ فهوَ مهوِّمٌ … عليها نهَتْهُ أنْ يُريحَ بها جَنْبا

تمنَّى عليهِ ” رَبُّهُ ” مِصْرَ مَنْحةً … وكادَ على ” القطَّارِ ” أنْ يُرضيَ الربَّا

وكادَ على ” القَطَّارِ ” يُرْسِلُ حاصباً … على ” الشرقِ ” لولا أنْ قذفتَ به حَصْبا

تراءى له نَهْباً ، ولمَّا صَدَمْتَهُ … تراءتْ له الأحلامُ صيْحَ بها نَهْبا

ومدَّتْ لهُ الأطماعُ في نَزواتهِ … إلى أنْ غَدَتْ كَلاً على نَفْسْهِ حَرْبا

وداعَبَتِ ” الاسكندريَّةُ ” عينَهُ … وخادَعَ منه ” النيلُ ” في طميْهِ اللُبَّا

ولاحَ له ” الاسكندرُ ” الصِّدْقُ فانثنتْ … تُزَيَّفُ منه النفسُ إسكندراً كذِِبْا

ومَنَّى بيَنْبوعِ الفراتِ حصانَهُ … وعلَّل ” بالزّابَيْنِ ” عسكرَهُ اللّجبْا

فيا لَكَ زَوراً ذادَ عن عينهٍ الكَرى … وشَرَّدَ عنْ أجفانهِ حُلُماً رَطْبا

فلمْ يَرَ إلاَّ مَغرِزَ الرَّجْلِ يَقْظَةً … وكانَ يناغي حالِماً عالَماً رَحْبا

من ” العَلَمَيْن ” استَقْتَهُ محكَمَ القُوى … وفي ” تونسٍ ” أدركتَهُ رازحاً لَغْبا

نثرتَ لهُ شُمَّ المتالعِ والقُرى … كما نَثَرَ الصيَّادُ للطَّائرِ الحَبَّا

وأغريتَهُ بالقرب حتَّى إذا دَنَا … إليكَ رأى منكَ الَّذي بَغَّضَ القُرْبا

عنودٌ ، تأبَّى الوَثْبَ في نكَساتهِ … من الكِبْرِ ، لولا أنْ تُطاردَهُ وَثَبْا

ولو غيرُ ” رُوَميلٍ ” لقُلْنا كغيرِها … سُقاةُ الرَّدى عاطَتْ بأكؤسُها شَرْبا

ولكنَّه نَدْمانُ موتٍ إذا سَقى … ألحَّ وعاطى مَنْ ينادمُهُ عَبَّا

وقد خَبَّأ السَمَّ الزُّعافَ فَبزَّهُ … خبيرٌ بما أبدى ، بصيرٌ بما خَبَّا

ولمَّا التقى الجمعانِ غُلْبٌ أشاوسٌ … دَهَتْ مثلَها شُوْساً مُدَجَّجةً غُلْبا

وحُم الحديدُ الضخمُ ، والصبرُ ، والحجى … كِلا المعدِنين استَنجدا معدِناً صُلبْا

مشى الحقُّ في الصفَّينِ يدمَغُ باطلاً … ويغمُرُ بالريحان أوفاهما كَسْبا

تَفادى بـ ” أرنيمٍ ” وفَرَّ بنفسه … وأبقى لك الأهلَ الأعزَّةَ والصَّحبا

وأهداكَهم أسرى وقتلى كأنه … بهم يستميحُ العفوَ ممَّا جنى ذَنْبا

تَلَظَّى بهمْ بالنارِ بَرٌّ ، وقاءهُمْ … خِضمٌّ ، وراحَ الجوُّ يُمطرهم عَطْبا

كأنَّكَ إذ تُحصي رُكاماً حُطامَهُ … تُصَحِّحُ أغلاطاً فتوسِعُها شَطْبا

فمن يَرَ في الصحراءِ نَثْراً قبورَهُمْ … يخَلْها من الأجداثِ مجنونةً رُعْبا

ومن يُبصرِ الأسرى يُقادونَ هُطَّعاً … يَجِدْ حادياً يحدو إلى سَقَرٍ رَكْبا

وخَلَّى لكَ ” الطليانَ ” يحتَكُّ بعضُها … ببعضٍ كما تحتَكُّ منَجَربٍ جَرْبا

أتى بهمُ إلْباً عليكَ سَفاهةً … فكانوا عليهِ في تَغَنُّجِهِمْ إلبا

أرادَ لخوْضِ الموتِ أغراسَ نِعمةٍ … غذاها وليُّ الأمرِ فاكهةً أبَّا

حَسِبْنَ لاِزعاجِ ابنِ آوى بنادقِاً … وخلْنَ لمِضمار الهَوى شُزَّباً قُبَّا

وضاعَفْنَ نسجاً من حريرٍ ولأمةً … وجرْنَ بيضَ الهندِ والوشيَ والعَصْبا

ورُحْنَ كأسراب القطا نُعَّمَ الخُطَى … وقىَ اللهُ من شَرٍّ يرادُ به السِّرْبا

وجازى بشَرٍّ من أرادَ بجَورْهِ … وجُوهَ الحسان الغيدِ أن تْلمِس الترْبا

وأن تهبِطَ الوديانَ ليلاً لريبةٍ … وأن ترتقي صُبحاً على عَجَلٍ هُضْبا

وأن تَشْهَدَ الأشلاء تنقضُّ حولَها … وفي دَمِها الفرسانُ مخضوبةً خَضْبا

ولم ترتِكبْ إثماً سوى أنَّها دُمًى … ولم تأتِ – إلَّا أنَّها عورة – ذَنْبا

فلو كنتَ يومَ النَّقْعِ شاهِدَ أمرِها … وقد خَبَّأتْ تِرْبٌ بأثوابها تِرْبا

وسدَّتْ ثقوبَ الأرضِ مُحجرةً بها … فما غادرَتْ مأوىً لضبٍ ولا ثقبا

دعوتَ على مَنْ شَقَّ عنها حجابَها … وأقحَمَها ما ليسَ من شأنِها غْصبا

إذن لسألتَ اللهَ فَّلاً لغَربِه … جزاءً على ما فلَّ من سترِها غَرْبا

فرِفْقاً باشباهِ القواريرِ صُدِّعَتْ … وما اسْطعتمُ فاسَتدركوا صدعها رأبا

فيالكِ بُشرى ما أرقَّ وما أصفَى … أغاثَتْ نفوساً ما أحنَّ وما أصبي

ويا حُلفاءَ اليومِ والأمسِ إنَّنا … لكُمْ – ما اردتُم – في مودَتِنا قُرْبى

أريدوا بنا خيراً نَعِدْكُمْ بمثِلهِ … وكونوا لنا حِزْباً ، نَكُنْ لكُمُ حِزبا

وظَنُّوا بنا خَيراً فَفينا كَوامِنٌ … من الخير إنْ تُبعث تَزدْكمْ بنا عُجْبا

ولا تذكروا عَتْباً فانَّ مُوطّداً … من الودِ زِدْنا فيه ما يرفعُ العتبا

وإلا فكيلوه عتاباً بمثله … لنا . وكلانا مُعْتِبٌ بَعْدُ من أرْبى

ولا تَخْلِطوا شَغباً عليكم مُبغَّضا … إلينا وحقاً لا نريدُ به شغْبا

وآخوا بنا شعباً وهانَتْ أُخوَّةٌ … إذا كنتَ تَلقى عندها الفردَ لا الشَعبا