تحيّة الشام – إيليا أبو ماضي

حيّ الشآم مهندا و كتابا … و الغوطة الخضراء و المحرابا

ليست قبابا ما رأيت و إنّما … عزم تمرّد فاستطال قبابا

فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا … للعلى سكنت حصى و ترابا

و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا … يستعطف التلعات و الأعشابا

روح أطلّ من السماء عشية … فرأى الجمال هنا .. فحنّ ، فذابا

و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته … تنساب من وجد به منسابا

با أدمع حور الجنان ذرفنها … شوقا ، و لم تملك لهنّ إيابا

بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا … و بنى النهى فترشّفوك رضابا

مرت بك الأدهار لم تخبث ولم … تفسد وكم خبث الزمان وطابا

بأبي و أمّي في العراء موسّد … بعث الحياة مطامعا و رابا

لما ثوى في ميسلون ترنّحت … هضباتها و تنفّست أطيابا

و أتى النجوم حديثه فتهافتت … لتقوم حرّاسا له حجّابا

ما كان يوسف واحدا بل موكبا … للنور غلغل في الشموس فغابا

هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى … كي لا يرى في جلّق الأغرابا

و إذا نبا العيش الكريم بماجد … حرّ رأى الموت الكريم صوابا

إنّي لأزهى بالفتى و أحبه … يهوى الحياة مشقّة و صعابا

و يضوع عطرا كلما شدّ الأسى … بيديه يعرك قلبه الوثّابا

و يسيل ماء إن حواه فدفد … و إذا طواه الليل شعّ شهابا

و إذا العواصف حجّبت وجه السما … جدل العواصف للسما أسبابا

و إذا تقوّض صرح آمال بنى … أملا جديدا من رجاء خابا

فابن الكوكب كلّ أفق أفقه … وابن الضراغم ليس يعدم غابا

عجبا لقومي و العدوّ ببابهم … كيف استطابوا اللّهو و الألعابا ؟

و تخاذلت أسيافهم عن سحقه … في حين كان النصر منهم قابا

تركوا الحسام إلى الكلام تعلّلا … يا سيف ليتك ما وجدت قرابا

دنياك ، يا وطن العروبة ، غابة … حشدت عليك أراقما و ذئابا

فالبس لها ماء الحديد مطارفا … واجهل لسانك مخلبا أو نابا

لا شرع في الغابات إلاّ شرعها … فدع الكلام شكاية و عتابا

هذي هي الدنيا التي أحببتها … و سقيت غيرك حبّها أكوابا

و ضحكت مع أحلامها ، و بكيت في … آلامها ، و جرعت معها الصّابا

و أضلّ روحك في السرى و أضلّها … ما خلته ماء فكان سرابا

و نظرت ، و الأوصاب تنهش قلبها ، … فرأيت كلّ لذاذة أوصابا

شاء الظلوم خرابها فإذا الورى … لا يبصرون سوى نهاه خرابا

دنيا تألّق أمسها في يومها … فاستجمع الأنساب و الأحسابا

و سرى سناء الوحي من آفاقها … يغشى العصور و يغمر الأحقابا

ألحقّ ما رفعت به جدرانها … و الخير ما زانت به الأبوابا

فاستنطق التاريخ هل في سفره … مجد يضاهي مجدها الخلّابا ؟

شابت حضارات ، و دالت و انطوت … أمم ، و مجد أميّة ما شابا

الأمس كان لها و إنّ لها غدا … تتلفّت الدنيا له إعجابا

غنّيت من قبل المحولة و العرا … أفلا تغنّي الروضة المخصابا ؟

عطفت لياليها عليك بشاشة … فانس الليالي غربة و عذابا

وانشر جناحك فالفضاء منوّر … و املأ كؤوسك قد وجدت شرابا

فلشدو مثلك كوّنت ، و لمثلها … خلق الإله البلبل المطرابا

ليت الرياض تعيرني ألوانها … لأصوغ منها للرئيس خطابا

و أقول إنّي عاجز عن شكره … عجز الأنامل أن تلم عبابا

أشكو إلى نفسي العياء فتشتكي … مثلي ، و تصمت لا تحير جوابا

فلقد رأيت البحر حين رأيته … فوقفت مضطرب الرؤى هيّابا

أعميد سوريّا و كاشف ضرّها … خلقت يداك من الشيوخ شبابا

و بلابل كانت تئنّ سجينة … أطلقتها و أطرتها أسرابا

يا صاحب الخلق المصفّى كالنّدى … لو لم تكن بشرا لكنت سحابا

أمل الشبيبة في يديك وديعة … فارفع لها الأخلاق و الآدابا

فالجهل أنّي كان فهو عقوبة ، … و العلم أنّى كان كان ثوابا

يا ويح نفسي كم تطارني النّوى … و تهدّ منّي القلب و الأعصابا

ودّعت خلف البحر أمس أحبّة … و غدا أودّع ها هنا أحبابا