تحية القرية – بدر شاكر السياب

شفني من ربوعك النضرات … فتنة تستعيدها نظراتي

في رياض النخيل يجمع فيها الفجر … شمل الضياء بعد شتات

فإذا الروض فتنة تتجلى … من صناع الأنامل المبدعات

أخذت جليها الطبيعة فيه … وبدت في غلائل عطرات

توجت بالزهور مفرقها … الجدول رب الخمائل الهامسات

و انثنت تستحث ماشطة الريح … و تبدي النجيل للماشطات

و المروج الحسان هامت عليها … حرق من تنهدات الرعاة

و العذارى بين الربى يتهادين … ندي النوار و الزهرات

و الغدير الوسنان ظلله الكرم … و اصبى امواجه الموهنات

منظر تستخف ألوانه الطير … فتزجي ألحانها الساحرات

و هدوء الحقول تلقى لديه … النفس ما ترتجيه من غايات

فهو نور يهدي سفائن فكاري … ألى ما وراء بحر الحياة

قترى المبدع المصور فيما … حولها من جنائن موثقات

في ابتسام الرياض للمد و الجزر … لطوفان عذبى النغمات

يحملان الحديث عن مرقص البحر … و حور الشواطىء اللاعبات

و عن الشط و النخيل السكارى … في الليالي القمراء و المظلمات

رنحتها الأنسام لما سقتها العطر … في أكؤس الندى المترعات

وقروط الأغداق تهتز أغراق … لفلك شوارع جاريات

صور تسجد النفوس لديها … وتضج القلوب بالصلوات

أينما دار ناظري طالعتني … فتنة تستعيدها نظراتي