الليلة الأخيرة – بدر شاكر السياب

و في الصباح يا مدينة الضباب
و الشمس أمنيّة مصدور تدير رأسها الثقيل
من خلل السحاب
سيحمل المسافر العليل

ما ترك الداء له من جسمه المذاب
و يهجر الدخان و الحديد
و يهجر الأسفلت و الحجر
لعله يلمح في درام من نهر

يلمح وجه الله فيها وجهه الجديد
في عالم النقود و الخمور و السّهر
ربّ صباح بعد شهر بعد ما الطبيب
يراه من يعلم ماذا خبّأ القدر

بألف ألف رائع عجيب
بالحلي و الحجر
باللّعب الخبيئة
يفجأ غيلان بها يا طول ما انتظر

يا طول ما بكى و نام تملأ الدموع
برنّة الأجراس أو بصيحة الذئاب
عوالم الحلم له و تنشر القلوع
يجوب فيها سندباد عالم الخطر

هناك فارس النحاس يرقب العباب
و يشرع السهم ليرمي كل من عبر
إن يكتب الله لي العود إلى العراق
فسوف ألثم الثرى أعانق الشجر

أصيح بالبشر
يا أرج الجنّة يا إخوة يا رفاق

لحسن البصري جاب أرض واق واق
ولندن الحديد و الصّخر

فما رأى أحسن عيشا منه في العراق
ما أطول الليل و أقسى مدية السّهر
صديئة تحزّ عينيّ إلى السّحر

و زوجتي لا تطفئ السراج قد يعود
في ظلمة الليل من السّفر
و تشعل النيران في موقدنا برود
هو المساء و هو يهوى الدفء و السّمر

و تنطفي مدفأتي فأضرم اللهيب
و أذكر العراق ليت القمر الحبيب
من أفق العراق يرتمي عليّ آه يا قمر
أما لثمت وجه غيلان أنا الغريب

يكفيه لو لثمت غيلان أن انتثر
منك ضياء عبر شبّاك الأب الكئيب
ومسّ منه الثّغر و الشّعر
أحسّ منه أنّ غيلان شذى و طيب

من كفّه الليّنة انتشر
عابث شعري صاح آه جاء
أبي و عاد من مدينة الحجر
وشدّ بالرداء

ما أطول الليل و أقسى مدية السّهر
و مدية النوم بلا قمر