دجلة الغضبى – بدر شاكر السياب
ذوب الليل يا شعاع النهار … تلمح العين ما وراء الستار
ذوب الليل يبصر الشعب صرعاه … فما زال واقفا بانتظار
يبصر القوم بين هاو الى اللحد … وغرقان دائب في احتظار
ما غضبة المياه الحبيبات … تدفقن بعد طول الأسار
زمزم الموج في السهول النديات … مغيطا وصاح في كل دار
سائل الكوخ والربى والصجارى … كيف أرعش في يد التيار
أيها النائمون في الضفة السكرى … على الجوع والضنى والصغار
كيف بالله كيف تغفو عيون … في حمى كل ظالم غدار
علموا دجلة الظلامات والغدر … فعادت ولا تفي عهد جار
أيها الضاربون في ظلمة الليل … الى غير منتهى أو قرار
يسرقون الخطى على ضوء نجم … يسرق الخطو في قصي المدار
كيف خلفتم الديار الحبيبات … ألا لفتة لتلك الديار
ضرب الماء ما بنى كل بان … وطوى كل مأمل بالثمار
فاشتكى صاحب القطيع من الموج … لذئب رآه أو جزار
واشتكى الحاصد المعنى الى الشيخ … فما كان منه غير ازورار
وهو بالأمس واهب القائد الغربي … زلفى اليه سيف النضار
صيغ من أضلع الجياع العريا … تحت أنظار كل جوعان عاري
وهوبالأمس من حبا لندن الشوهاء … ما شاء منه حب الفخار
وهو من يبخل الغداه على الشعب … ويلقى انتحابه بافترار
ليت لي قوة المياه فاقتض … من الشيخ للدموع الغزار
ليتني أهدم القصور وأبنيهن … بيتا لشارد في القفار
ليتني أبدل القلوب التى تغفو … على الذل بالحصى والحجار
أيها الشعب واحتماك عار … على الحر دونه كل عار
طالما قد صبرت يا شعبي المظلوم … فانهض كفاك طول اصطبار
أيها المرسل الأنين الى الآذان … يلبسن قرط الاستعمار
حق ما ترسل الأنين اليهن … اجتزازا بصارم بتار
فهي صماء حين تدعو وصغواء … اذا اهتز شارب المستشار
ضلة للنيام والثلعب الرعديد … يسطو بمخلب مستعار
رب ناج من الردى خلف الأبناء … صرعى في المائج الهدار
مثقل الظهر بالسنين الطويلات … وأشلاء بيته المنهار
لاح لي فانطلقت أزجي اليه الشعر … حران قاذفا بالشرار
أيها المبتلى وأدعو بك الشعب … وقد هم غيظه بانفجار
ذلك النهر فاض بعد احتباس … عاصفا بالسدود عصف اقتدار
نبني أي ساعة أبصر الشعب … وقد فاض بعد طول الأسار
ساحقا في اندفاعه ما أقام الظلم … في دره من الأسوار
قل لمن ثبت العروش على الماء … فقال امتلكت كل البحار
سوف تأتيك ساعة توقظ الأمواج … فيها انتفاضة الاعصار
أيها الشعب يعصب الداء عينيه … فلا تبصران ضوء النهار
الدواء الذي ترجي سيأتيك … اسمه من حناجر الثوار
تعصف الصيحة المدماة بالتاج … على كل مفرق مستطار
يوم لا الظالم الغشوم بمنجيه … من الثائرين وشك الفرار
لا ولا القيد مستطيع حيال النار … صبرا ودونه ألف نار
الردى واالهوان خط الأذلاء … وكل الحياة للأحرار